نحن المسلمين عامة، ومنهم العرب خاصة، نحسب القيمة المالية بالأخلاق. طبيعتنا الناشئة عن اعتقادنا بالقيم العليا المتمثلة بمكارم الأخلاق تدعونا إلى مراعاة مكارم الأخلاق في كل تعاملاتنا. وخير دليل عليه في التعاملات المالية خيار «الغبن»، وهو أن ينتهز البائع فرصة لاحت له عن جهل المشتري بالقيمة الحقيقية للسلعة؛ فيبيعها له بسعر يفوق سعرها المعتاد فرقًا كبيرًا؛ يوجب الرجوع على البائع برد الفرق أو استعادة السلعة وإعادة ثمنها. والقضاء الشرعي يفصل فيما بين الطرفين عند عدم قبول البائع برجوع المشتري عليه. ومثله احتكار طعام الناس أو المغالاة في أثمانه. بينما الغرب يقيم القيم بالمال بحساب الأخلاق بالقيمة المالية، يقيمها بماذا يجنى منها من مال؟.. ما نصفه نحن من عدل، وأمانه، وكرم، وترفع بحسن الخلق «بمكارم الأخلاق» يصفه الغرب بما يسمونه بالقيم «القيم الديمقراطية، القيم الاجتماعية، والإنسانية...إلخ». فإذا حاكمنا أيًّا من هذه القيم الغربية بقانون الأخلاق نجدها أوعية فارغة إلا من أسمائها؛ فلا العدل عندهم موزون برفع المظالم، وتكفي مظلمة حميدان التركي دليلاً. ولا الأمانة محكومة بحق الآخر بالمثل؛ فالرجل الغربي يقيم بعوض عنه بعشرات الملايين من الدولارات، ومن غيرهم يقيم بتعويض لا يتجاوز عشرات الدولارات! ولا القيم الاجتماعية منسجمة مع الناموس البشري المتصف بالترفع والتنزه عن السقوط الموغل في البهيمية «زواج المثليين».. فكل قيمة أخلاقية عندهم موزونة بقدر ما تجلبه من مال «المصالح»؛ فنجد الغرب باستثناء لا يكاد يبرز يشاهد بالعين المجردة، ويسمع بأذان صاغية، ما يحدث من قتل وتجويع وحصار وهتك أعراض في سوريا، وبعض المواقع الأخرى على الكرة الأرضية، ومع ذلك لا يحرك ساكنًا. فلا الدماء والأشلاء والتضور جوعًا والتشرد والتهجير توقظ أيًّا من القيم الغربية؛ لأنه لا مردود ماليًّا لأي قيمة من القيم الغربية تنتج من الوقوف ضد كل هذه الأعمال المهينة للبشرية. ومن هذه الحقيقة الواجب أن نخاير بين مصالحنا المقيمة بمكارم الأخلاق بمصالحهم المقيمة بالمال، كأن نربط بين وقف مجازر جزار سوريا بشار الأسد، وهي قيمة أخلاقية إنسانية، وبين مصالح لهم لدينا فيها ما يدفعهم لقبول الخيار. كأن نربط جميع مصالحهم معنا بمدى قبولهم بالوقوف معنا وقوفًا فاعلاً لوقف مجازر الأسد، وإرغامه على ما لا يقبله؛ لأن قيم الغرب قد فضحتها الأحداث، وبينت أنهفقاعات لفظية، لا تتجسم كواقع إلا بالمصالح المالية.