أ.د.عثمان بن صالح العامر
ليس هناك أحد ممن ترون بلا خطيئة، ولولا ستر الله عز وجل على خلقه ورحمته بهم لانفضحوا بسوء أعمالهم، ولهلكوا عاجلاً بذنوبهم، مصداق ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ}، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}.
* هناك مِن الناس مَنْ لا يكتفي بمقارفة الخطيئة، بل يشرعنها، يحاول أن يبرر لها، يبحث ما استطاع عن الأدلة التي تسندها، وشواهد التاريخ المقاربة والداعمة والمعزِّزة لما ذهب إليه، وربما برر لنفسه أن «كل الناس يقولون أو يفعلون ما هو أشد من هذا وأنكى»، وهذا في نظري أتعس حالاً وأسوأ مآلاً من أولئك الذين وقعوا في الخطيئة ولديهم الشجاعة -على الأقل مع أنفسهم- للاعتراف لها أن ما ارتكبوه لا يليق بهم ولا يصح منهم، وأن الواجب عليهم أن يقلعوا عنها عاجلاً غير آجل، ولذلك هم يحاولون أن يخفوا خطيئتهم عن غيرهم، ويستغفرون الله ويدعونه في خلواتهم أن يقيهم شر صنيعهم، ويتمنون أن يتخلصوا منها في أسرع وقت ممكن، وإن كانوا ما زالوا مصرّين على مقارفة خطيئتهم، عاجزين عن الانتصار على ذواتهم والتخلي عن أهوائهم.
* أشد من هذا وذاك الصنف من البشر الذي يرتكب الخطيئة جهاراً نهاراً ويعلنها على الملأ بلا حياء، بل يفاخر بها ويضفي عليها الشرعية ويسوّق لنفسه من خلالها، وربما سنّ جراء هذا السلوك العلني في مجتمعه»... سنة سيئة فكان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة».
* وأسوأ الجميع من يجعل من نفسه مدرسة لتعليم أبنائه وأولاد بني جلدته «الخطيئة» التي صارت له سمة يعرف بها ويذكر بين الناس.
* قد يندفع الإنسان في خضم أحداث الحياة إلى الوقوع في دائرة الخطيئة بحثاً عن التميز حتى ولو بالشر، أو حباً للشهرة في أي صورة كانت، أو لهثاً وراء المال ولو على حساب مبادئه الإسلامية ومنطلقاته العقدية وقيمه الإنسانية، وقد يجد من يشجعه ويدعمه فيتمادى في المضي قدماً بخطيئته التي عُرف بها رغم تقدم السن به، ويظل يترقى في سُلّم الخطايا التي رانت على قلبه حتى يجني على نفسه ويضر مجتمعه علم ذلك أو لم يعلم.
* أعلم أن الخطيئة ليست واحدة بل أنواعاً وألواناً، والأشد في نظري أن تكون الخطيئة متكررة ومتعدية ومركبة، وتقوم على جذر عقدي هش، وفلسفة نظرية ينسفها التاريخ من جذورها، والأدهى والأمرّ أن يخطئ الإنسان في حق عقيدته وولاة أمره ومصلحة أمته ومستقبل وطنه ثم ينتظر التصفيق والمباركة لما اقترفت يداه!!!.
* هذه دعوة لكل خطّاء، أن يراجع نفسه، وينزع عنها غطاء الإلف، ويتخلص من داء الغرور والمكابرة، وتكون لديه الشجاعة أن يقول: «نقطة ومن أوّل السطر»، ليبدأ بعد ذلك حركة التصحيح والمراجعة، خاصة لمن كانت خطيئته متعدية ومنزعه فيها خطير ولا يتوافق لا مع دين أو عقل أو واقع.
* هناك خطايا لن يمحوها التاريخ، ولن تزول آثارها حتى بعد موت أصحابها، وربما ستلعنهم الأجيال جيلاً إثر جيل على ما كان منهم يوماً ما، وما أكثرها هذه الأيام في عالمنا العربي للأسف الشديد.
* قد تكون الخطيئة خطيئة مجتمعية يقترفها الرجال على جنس النساء، أو قبيلة في حق أخرى، أو يكون سبب وجودها سبب مناطقي أو وظيفي أو طبقي متوارث، وهذا النوع من الخطايا خاصة يجب أن ينبري له المختصون في علم الاجتماع للدراسة والتحليل والنقد والتوصية بما يراه حقاً، ومن ثم المواجهة والتصحيح من خلال قرار سيادي صحيح.
* في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وقيم مجتمعنا وعاداته وأعرافه وتقاليده محددات ومعالم يحسن الوقوف عندها حتى لا تكون الخطيئة وصمة عار في الجبين، تتجاوزك لتلتصق بأبنائك من بعدك، هذا في حال كونها خطيئة فردية، وفي حال كونها مجتمعية تضر بشريحة من المجتمع عريضة، وتعيق تنمية الوطن زمناً ليس بالقصير لا سمح الله، دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.