سامى اليوسف
استحدث الاتحاد السعودي لكرة القدم بطولة كأس السوبر في عام 2013، وكان طرفا المباراة اليتيمة الاتحاد والفتح وفاز الأخير باللقب بركلات الترجيح بحضور 20 ألف متفرج على ملعب الشرائع في مدينة الملك عبدالعزيز الرياضية في مكة المكرمة، ثم فاز الشباب باللقب على حساب النصر، قبل أن يُصَدّر الاتحاد السعودي السوبر إلى لندن 2015، حيث ملعب لوفتس رود، وحقق الهلال اللقب مؤكدًا هيمنته على النصر آنذاك بهدف نجمه وهدافه البرازيلي كارلوس إدواردو.
اليوم نحن على بعد ثلاثة أيام من تكرار تجربة تصدير السوبر «السياحي» أو «المخملي» إلى عاصمة الضباب، والمتنافسان على اللقب الهلال والأهلي.
من الجميل أن نستورد من الغرب المتمدن كروياً فكرة السوبر لإضفاء المزيد من الإثارة والجماهيرية والمتعة الكروية في ملعب ومدرج الكرة السعودية، ولكن من القبيح أن نستورد من الغرب فكرة التصدير لهذا السوبر بكل علاتها التي تخالف خصوصيتنا، وتضرب قيمنا الثابتة، ومرتكزاتنا الدينية.
فالمسلم الفطن يأخذ من الحضارة الغربية ما يناسب احتياجه، ويفصّله على مقاس قيمه وثوابته الشرعية، ثم رؤية بلاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن إصرار اتحاد الكرة، ومن يشجعه، ويصفق له في إقامة السوبر خارج حدود الوطن في رأيي يوقعه في محظورات ثلاثة:
الأول: أنه يوفر التشجيع على السفر في غير مصلحة لعديد الشباب، وهناك من هم أبلغ مني علماً شرعياً وتخصصاً بمقدورهم استعراض هذا المحور بمزيد من التفصيل مقروناً بالأدلة، وقد كتبت في الموسم الفائت تحت عنوان «أعيدوا للسوبر حشمته» رأياً يتطابق مع رأيي اليوم.
الثاني: تخصيص السوبر لطبقة معينة..
تعمد تصدير السوبر السعودي إلى لندن أو فرنسا يحرم الجمهور المستهدف لكرة القدم من البسطاء أو محدودي الدخل وربما الطبقة المتوسطة التي تمثّل غالبية المجتمع، وعشّاق كرة القدم من الحضور والتفاعل عن قرب.. وهؤلاء ليسوا من رواد العواصم الأوروبية ولا يقدرون على توفير قيمة تذكرة السفر لهم ولأبنائهم فضلاً عن تحمّل تكاليف التأشيرة والإقامة والتنقّل وتذكرة المباراة، وكأن اتحاد الكرة أراد تخصيص هذه البطولة وحكرها فقط للأغنياء، أو الطبقة المخملية إن جاز التعبير، وهذا يناقض القيم الأساسية للعبة التي اشتهرت بحب الفقراء لها، ومزوالتهم لها.
الثالث: تعارض التصدير والرؤية السعودية 2030..
استمرار نقل السوبر إلى لندن، ومستقبلاً لعواصم أوروبية، أو عربية أخرى يتعارض ومرتكزات الرؤية الثلاثة «العمق التاريخي والإسلامي، القوة الاستثمارية، الموقع الجغرافي الإستراتيجي»، وهذه المرتكزات لن يتم تفعيلها على أرض الواقع لتحفيز القطاع الخاص وتوفير فرص وظيفية للمواطنين، فالتصدير يعمل ضد هذا الهدف للمرتكزات الثلاثة.. إضافة إلى أن المحاور الثلاثة للرؤية « المجتمع الحيوي، الاقتصاد المزدهر، الوطن الطموح» سيتم تغييبها في حال الإصرار على تصدير السوبر.. وهنا تجدر الإشارة إلى حالة الجمود بين قطاع الرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص وقطاع السياحة وتبرز فرصة السوبر كمهرجان ونشاط رياضي بإمكانه أن يعزِّز هذه العلاقة وتكاملها في وجود البنية التحتية كالمدن الرياضية الكبرى ذات المواصفات العالمية التي تستضيف «مهرجان السوبر» وأعني استثمار هذه المناسبة التي تسبق انطلاقة الموسم الرياضي في ذروة السياحة الداخلية لمزيد من الإنفاق والليالي السياحية في المناطق الباردة أو المعتدلة في الشمال أو الجنوب لاستضافته مصحوباً بفعاليات وأنشطة متنوّعة تعزِّز توجه التحول الوطني ورؤية 2030 التي تدعم إقامة المهرجانات والفعاليات الرياضية والترفيهية لتوفير فرص عمل وتعزيز ثقافة المبادرة والتطوّع لدى الشباب من الجنسين نحو بناء شخصية الأبناء، والأهم استثمار الإرث الثقافي والتاريخي السعودي في مثل هذه المناسبات وجعلها مناسبة كبرى من خلال استضافة وفود أجنبية لتعزيز سياحة المهرجانات الرياضية، وربما المؤتمرات الرياضية، وتنشيط الشركات ورجال المال والأعمال في الداخل، وبالإمكان تعزيز أنشطة المسؤولية الاجتماعية في هذا السياق وتفعيلها مع نجوم طرفي المباراة.
إن البحث عن العوائد المادية بطريقة الارتهان للرعاة في ظل غياب التخصص في التسويق والاستثمار الرياضي، وإهمال إدارة الدراسات والبحوث يحول اتحاد الكرة والقطاع الرياضي إلى أداة في يد الراعي الذي لن ينظر لقيم ورسالة اللعبة، أو البعد الوطني المهم والمرجو من هكذا مناسبات..
ولعلي أختم بمقولة سمو ولي ولي العهد رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، والذي قال عن الرؤية السعودية: «تبدأ رؤيتنا من المجتمع وتنتهي إليه»، ولكن بكل أسف فإن رؤية اتحاد كرة القدم في تنظيمه لبطولة كأس السوبر تعارضت مع هذا المبدأ فقد بدأ بالمجتمع الرياضي المحلي، وانتهى إلى الخارج دون أن نجد أو نلمس أي صدى دولي يذكر، أو إنجليزي ملموس وذا جدوى من إقامة هذه البطولة في لندن، وخارج حدود الوطن، بخلاف الكسب المادي من خلال رفع شعار «الغاية تبرر الوسيلة»!