د. محمد بن إبراهيم الملحم
العلاقة بين البيت والمدرسة مبدأ حرصت وزارة المعارف على تأسيسه وقت أن كان ولي الأمر غير مهتم بتعلم ابنه ويعتقد أن المسؤولية على المدرسة فقط ومع تنامي عدد أولياء الأمور المتعلمين تعمق المفهوم الصحيح فغدا ولي الأمر هو المبادر بمتابعة ابنه في المدرسة وشأنه التعليمي، سنغافورة دولة نشأت في تحد كبير عندما استقلت عن ماليزيا ووجدت نفسها دون موارد فقررت الاستثمار في رأس المال البشري من خلال التعليم كركيزة أساسية فنجحت وأصبحت من ضمن النمور الآسيوية الأربعة التي تهدد اقتصاد الغرب، وجوانب الجودة في التعليم السنغافوري متعددة كما أوضحتها أدبيات التعليم الدولي فهي في المعلم بالدرجة الأولى يليها مرونة الخيارات للمتعلم ثم الصرف المرتفع على التعليم (خمس الميزانية تقريبا 20%)، وعندما التقيت نائب وزير التعليم السنغافوري في بريطانيا تساءلت عن سر استمرار هذا التقدم حتى اليوم فقد تجاوزت الدولة الضعيفة مرحلة التهديد الاقتصادي إبان استقلالها في الستينات، فقال لي إنه «أولياء الأمور» فقد استلهموا التجربة وأصبحوا أساساً في نجاح المدرسة كما أن المدرسة تساعدهم على استكمال دورها التربوي في المنزل بل تعطيهم الحق في الاطلاع على شؤون الطالب في المدرسة فمثلاً يحق له أن يناقش المعلم في أسئلة الاختبار وتصحيحه للإجابات كما يدور حوار بينهما حول المنهج وطريقته وما إلى ذلك.
ولست أدعو هنا إلى احتذاء هذا النمط بالضبط فإن ولي الأمر السنغافوري الذي نتحدث عنه اليوم هو ذلك الذي تخرج من نفس النظام التعليمي المتقدم عبر السنوات الثلاثين الماضية، ولكني أدعو إلى أن نفيد من المفهوم الذي يتمحور حوله عامل القوة والديمومة هذا، فهو في وعي ولي الأمر أولا وفي تمكينه ثانيا، والوعي «التربوي» هو الأساس ولا يكون التمكين بدونه وإذا أردنا أن نصل إلى ما وصلت إليه سنغافورة فيجب أن ندرك أننا بحاجة إلى نبدأ مشروعنا بخلق هذا الوعي كخطوة أولى، كم هي جهود المدرسة في ردم الهوة في المعرفة التربوية بينها وبين ولي الأمر (أو ولية الأمر)؟ هل هناك منشورات وكتيبات تعليمية تربوية تطبعها الوزارة لتوزع على أولياء الأمور تبصرهم فيها بكيفية التعامل مع أطفالهم؟ هل يستدعي مدير المدرسة أو أعضاء الهيئة التربوية ولي الأمر للحديث حول شؤون ابنه التعليمية أم أن ذلك قاصر على مناقشة مشكلات السلوك فقط؟ عندما تؤلف الوزارة مقرراً جديداً فلديها افتراضات منهجية في طريقة عرض الكتاب وتصدر دليل للمعلم (أحياناً) فهل فكرت في إصدار دليل لولي الأمر لردم الهوة بين طريقة تفكيره والطريقة الجديدة التي انتهجتها الوزارة راغبة جعلها أساس تفكير الطالب؟ كيف يمكن له إذا مساعدة ابنه أو ابنته لبلوغ هذا المستوى المعرفي (وهو ما يسمى بالتدعيم أو Scaffolding في النظرية البنيوية للتدريس) بينما هو لم يحظ من الوزارة بـ»دليل مستخدم» سهل اللغة يساعده موضحا دوره المطلوب في المنزل؟ وعلى هذا النمط تظهر أسئلة كثيرة يمكن طرحها، لكن أرجو ألا تبقى دون جواب.