د.علي القرني
كيف لنا نوصف الشعب السعودي على الإنترنت وخصوصًا في شبكات التواصل الاجتماعي؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يحتاج إلى دراسات وأبحاث وتقصٍ.. وإذا كان لي أن اجتهد في وصف الممارسات السعودية - معظمها وليس كلها - فهي أشبه ما تكون أن تعطي طفلاً مطرقة وتضعها في يده، ثم تتابعه فترى أنه يحاول أن يطرق بها كل ما حوله من أثاث وممن حوله من أطفال وكبار، فينتشيه أن يجرب هذه المطرقة على كل من حوله حتى شقيقه وشقيقته وأباه وأمه وغيرهم من الكيانات البشرية التي تقف أمامه.
قصة المطرقة تتكرر مع الكثير من الكائنات البشرية من شعبنا الحبيب - ومن غيرهم من شعوب العالم ولكن بدرجة أقل بكثير - عندما يتولون موضعًا أو يبادرون في قضية أو يعلقون على مسألة أو أمر من أمور الدنيا وألآخرة، فيبدأ الطرق كيفما اتفق وبعشوائية نادرة الحدوث. ولا يهما ماذا يطرق بمطرقته ولكن الأهم هو أن يطرق بكل ما أوتي من قوة. هذا هو واقع الممارسات لكثير من أهلنا وربعنا ومواطنينا على صفحات الإنترنت وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، وخصوصًا في شبكة تويتر.
ويكفي أن نأخذ أي قضية أو موضوع أيا كان: قضية في كوستاريكا أو موضوعًا في اليابان أو مسألة في أوروبا أو حدثًا في الشرق الأوسط، فنجد الطارقين بمطارقهم موجودين يطرقون كل شيء، ويدفعون بطرقهم كل ما يقع أمامهم من موضوعات وقضايا دون اكتراث لإنسانية أو تخصص، ودون اعتبار لتاريخ أو جغرافيا لتلك الموضوعات، ودون احتساب لقيم أو أفكار.. يستمر الطرق، وكل طارق يتباهى بحجم الطرق ودويه في الأسماع، كما يتباهي هؤلاء بحجم الكوارث التي يخلفها هذا الطرق على الضحايا وعلى كل من يتناولونه من سفك وتدمير وعنف وزوبعات.
نعم هؤلاء الطارقون من أبناء جلدتنا هم أول من يطرق وبكل صفات القوة التي يمتلكون على أبناء وبنات جلدتهم، وكأنهم ليسوا منهم، بل كأنهم يضعونهم أعداء لهم فوق العادة. والقاعدة في مبدأ المطرقة أن كل شخص من هؤلاء يأتي إلى جهازه ويقلب الصفحات وهو شاحذا مطرقته، وليس العكس، أي أنه لا يقلب الصفحات ثم يتناول المطرقة، ولكنه يقلب الصفحات ومطرقته بيده جاهزة، وعندما أتحدث هنا اقصد كلا الجنسين في بلادنا.
ويكفينا أن نرى قمة اللقافة الكونية الموجودة على وجه الأرض متمثلة في شخص يدخل في موضوع بالطول والعرض ويفرض عضلاته ليبين أنه صاحب اختصاص وصاحب تجربة وصاحب رأي، فينبري في سوق آرائه التي يتمنى الجميع لو أنه احتفظ بها لنفسه، لأنه يهذر بما لا يدري، ويقف دائمًا خارج سياق الموضوع، ولا يملك إلا مطرقته التي يطرق بها كل من هو موجود، ولا يتفق أبدًا إلى مع الذين يشبهونها في حمل المطرقة والتسكع بها داخل موضوعات تويتر أو فيسبوك أو واتساب أو غيرهما.
وعندما يحمل شخص مطرقته ويتجول بها فهو يحمل داخله مكامن شر وريبة وبالضرورة تتبعثر في داخله قيمه وصفاته الطبيعية ويصبح في قمة غضبه وتجهمه على من حوله من الناس والمخلوقات حتى على نفسه كثيرًا ما يجلدها جلدًا مؤلمًا، فهو عندما يطرق بمطرقته أشخاصًا آخرين فهؤلاء هم أشباهه من زملاء عمل أو دراسة أو مواطنة، ولكنه يجلد ذاته معهم، نتيجة الغضب الكبير الذي حاول أن يربيه داخله على مدى سنوات، منذ أول دخول له إلى عالم الإنترنت.
الكثير من الباحثين السعوديين وغيرهم بحثوا في الإنترنت في انتشاره ومقروئيته ومتابعاته، ولكن نادرًا ما نجد دراسات في النفسية والغضب الذي تربى داخل التجويفات البشرية التي تسكن معنا أحيانًا وتعيش حولنا دائمًا. لم تلتفت المؤسسة الأكاديمية في بلادنا إلى تقصي ظاهرة الغضب غير المبرر على المجتمع وعلى مؤسساته وعلى أفراده، ولم تنتبه أبدًا لمعرفة أسباب حمل الكثير منا مطارقهم وتجوالهم المستمر في مختلف منافذ شبكات الاتصال والتواصل الاجتماعي واللعب بهذه المطارق على رؤوس الجميع. لم ينتبه ربما الباحثون المختصون إلى قراءة مسببات حمل المطرقة والضرب بها في كل ناحية وصوب.
إن ظاهرة حمل المطرقة والضرب بها هي ظاهرة سعودية ومعنا فقط في نفس البوتقة بعض شعوب عربية أخرى - ليس منها شعوب دول مجلس التعاون الخليجي للاحاطة - فقد نأوا بأنفسهم عن حمل المطرقة وتركوها بأيدي السعوديين فقط، لكونها صناعة سعودية صرفة (Made in Saudi Arabia)، وآمل فعلاً أن يتصدى الباحثون السعوديون وغيرهم في البحث والتقصي عن هذه الظاهرة الفريدة. أخيرا.. تفقد يدك هل يوجد بها مطرقة؟