د. عبدالرحمن الشلاش
كل ردود الفعل التي نسمعها بعد كل عملية إرهابية تلقي باللوم على جهة معينة. من النادر أن تجد توافقاً بين تلك الردود، لأن كل جهة أو فئة أو جماعة تحلِّل الحدث من منظورها وتوجهاتها أو خلفياتها العقائدية. المتطرف أو الغالي أو المتشدِّد مثلاً قد يشطح ويحاول أن يبعد التهم عن المتطرفين فيرمي باللوم على تقصير الحكومة في حق الشباب أو تزايد نسبة البطالة وأنها السبب المباشر، أو قلة الاهتمام ببرامج الشباب، أما المتطرف من الجانب الآخر فيتهم مباشرة المؤسسات الدينية من وعاظ وحلقات ومخيمات ونحوها. أصحاب التوجهات الحزبية ربما يرمون سهامهم على جهات خارجية عالمية وإقليمية وأن لها الدور الأعظم في رعاية الإرهاب وتجنيد الشباب عن طريق الإنترنت.
الحقيقة أنه لا يوجد جهة واحدة فقط مما ذكر تتحمَّل بمفردها صناعة الإرهابيين ثم تجنيدهم وتوظيفهم، ومحاولة التركيز على جهة واحدة فقط هي محاولة مكشوفة لذر الرماد في العيون وتضليل للرأي العام واستماتة لنفي التهم الموجهة لأي جهة من تلك الجهات، فالواقع أن كل تلك الجهات ضالعة في الإرهاب ولكن بنسب متفاوتة في كل تلك الحوادث التي وقعت أحداثها في بلادنا أو في أوربا، أو في دول مجاورة، كما أن أهداف الجماعات الإرهابية في العالم متفاوتة دوافعها إما دينية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وقد تكون دوافع الجماعة الإرهابية سياسية بينما تكون دوافع الموظف الإرهابي دينية وخصوصاً أن تلك الجماعات وبخبث تضلل من يلتحقون بها حين تخفي عنهم أهدافها الحقيقية وتظهر لهم حبها للدين وذودها عن حياضه.
الواقع المعاش يقول إن عملية الإرهاب تمر بمراحل تبدأ من المصنع وتنتهي بجماعات الإرهاب الحاضنة للمغرّر بهم مثل جماعة التكفير والإجرام داعش فتستقبل أولئك الشباب الغر وتوجههم لتنفيذ العمليات. دور المصنع بشيوخه ومحرضيه وخطابه المأزوم ومحاضراته إعداد الشباب للزج بهم فيما يسمونه ظاهرياً بالجهاد وقتال الكفار، ودور جماعات الإرهاب استقبالهم وتوجيههم، وكلما زاد إنتاج المصنع انتعشت تلك الجماعات الباغية الضالة وعزَّزت من قدراتها على تنفيذ المزيد من الجرائم، فالعملية طردية وحتى ينقطع الإمداد يجب النظر في وضع المصنع الكبير.
بعد هذه السنوات وإذا كانت الحكومة قد وضعت يدها على أحد الأسباب الهامة وهي مواقع التواصل فإن تفكيك المصنع قد بات أمراً واجباً، فاستمراره يعني مزيداً من الإنتاج، ووقف الإنتاج سيقلِّل كثيراً من احتمالات الزج بالشباب في محارق الموت ليكون الرابح في النهاية الوطن بتجنيب أبنائه تجنيدهم في سبيل الشياطين.