اتضح لي على مدى الأيام أن الكثيرين يحبون التقليل من شأن فكرة طارئة جديدة والانتقاص ممن يحملها أو يتبناها مهما كان معتقده ومنحاه الثقافي والديني في محاولة لتعتيم ما قد يطرحه دون الأخذ بالاعتبار ما هي أبعاده وماذا تحمل من تصور وفكر.
وبالمقابل أرى الكثير من العرب يعجب بأي سياسي يقدم لهم شعارات براقة تدغدغ عواطفهم وهذا الأمر كان يتبعه أكثر السياسيين قديماً وعلى الرغم من زيف هذه الشعارات فما زال الكثير يصدقها ويحتفي بها.
وهذا الأمر لا ينطبق على السياسيين فحسب، بل إن الكثير من الجهاديين في الشيشان وأفغانستان ورموز من الدعاة استخدمت نفس الأسلوب وغلفته بغلاف ديني لإقناع البسطاء وشراء انتماءاتهم حين عزفت لهم على وتر الدين والعروبة، وعندما يقع المحظور نجد معظم السياسيين يتنصلون من مسؤولياتهم وشعاراتهم الزائفة ونكتشف أن كلاً منهم يعمل ضمن أيدلوجية إما دينية أو فكرية أو حزبية، وهذا يتضح لي من خلال ما يطرح من قبل وسائل إعلامية يظهرون انتماءهم من خلال ما يقدمون وهذا بدوره أصبح مكشوفاً للكثيرين، فقد صار المشاهد ذا وعي ويستطيع أن يفرِّق بين الرمز وأفعاله وأقواله، وبين من يبيع كلاماً ومن يهمه مصلحة الآخرين، وبين ما هو منطقي وما هو بعيد كل البعد عن المنطق والواقع، ومع ذلك ما زالت فئة من الناس تسير خلف هؤلاء الذين يبيعون سراباً وزيفاً وشعارات منمقة.
لقد أدركت أخيراً ومتأخراً أن (السياسة لأهلها)، حيث أصبح الكل يفتي بالسياسة، فما نشاهده في الإعلام من الطرح الساذج وغير الحيادي أثّر كثيراً على نظرة الشعوب، فمهما ادّعى الإعلامي أنه محايد وموضوعي في طرحه إلا أن معتقده أحياناً كثيرة يطغى على طرحه.
وبإلقاء الضوء على النكسات التي تجتاح الشرق الأوسط نجد أن تعاطي الإعلام معها أشبه بتعاطي من يفقد وعيه تجاه الحدث فلا يقدم ولا يؤخر أي لا أثر، لذا نرى أنه لا يوجد مصداقية في الطرح عند كثير من الإعلاميين؛ لأن ما توجههم هو السياسة، وعليه يمكن القول إن الإعلام مسيّر
تقوده السياسة، والإعلامي مع ذلك يسير وفق انتماء دولته وقناعاتها، ولكنه لو تأملنا الصورة الواقعية أكثر لوجدنا أنه يستطيع أن يكون محايداً وموضوعياً في الكثير من الطروحات ليمتلك بذلك القدرة على تغيير قناعة المجتمعات إلى الأحسن ومع هذا يصعب الحيادية لأنها سياسة تصفية تستخدم ووسيلة مساعدة للحرب وتوجهات الدول.