عبدالعزيز القاضي
ما عطاك صويحبك كود الرشوفه
ومن المودّة مدّها لك باليمين
- الشيخ محمد البواردي
(الشعر) يكاد يكون شيمة من شيم العرب, و(جينًا) ملازمًا للشخصية العربية, فكل قبيلة بل كل أسرة فيها شعراء, ولعلي لا أكون مبالغًا إذا قلت إن كل بيت فيه شاعر أو هاوٍ للشعر! ولا عجب فالشعر قهوة العقل العربي وكيفه ومزاجه وسلوته وهوايته. وشعراء (البواريد) من بني زيد يمثلون علامة فارقة في شعر النبط في نجد, بكثرتهم وجودة شعرهم.
أكتب هذا الكلام بعد أن أمضيت لحظات ممتعة مع كتاب (البواريد) لمؤلفه عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز البواردي, وهو كتاب أهدانيه قبل ما يقارب العامين شيخ رواة الإمتاع محمد الشرهان حفظه الله.
قرأت الكتاب فعشت لحظات جميلة في سياحة تاريخية وأدبية ممتعة. وأظن أن البواريد وإن اشتهروا بولاية إمارة شقراء إلا أن شهرتهم الأدبية تفوق شهرتهم الإدارية, فلا يزال هواة الشعر العامي يرددون كثيراً من أبياتهم الشهيرة, كقول عبدالرحمن بن محمد البواردي (ت 1361هـ):
إن مشى لابس الثوب الخضر
طاح ما في يدي واعزتا لي
منك يا لابس الثوب الخضر
وقوله:
يا هل الديرة اللي تم مبناها
ما بلاد حماها طول حاميها
كان ما تفزع اليسرى ليمناها
فاعرف ان ما وطى هاذيك واطيها
وقوله:
فز قلبي فز قلبي
يوم شاف الغاويات
طول ليلي وأتقلب
صابني حب البنات
وقول سعد بن عبدالعزيز البواردي (ابن دريويش) ت 1346هـ:
يا سفا يا حيسفا شفت السفا
في شراب كدّره عني سفاه
طاب حظي يوم محبوبي لفا
يوم انا واياه في سن السفاه
وقول الشيخ محمد البواردي:
يا من يبدلني بعمره وازيده
إن كان عمره في حدود الثلاثين
ياخذ خلق عمري وأناخذ جديده
ما لي بعمر قد تعدى ثمانين
وقول سعد بن عبدالعزيز البواردي (السعدي) ت 1319هـ:
ليت التبن كله شاهي
ورمل البترا شكْرٍ فلّه
قدم الكتاب صورة عامة عن أسرة (البواردي) بدأت بالتعريف بالموطن (شقراء) ثم القبيلة (بني زيد) ثم الأسرة (البواردي) وتفرّعاتها وأهم شخصياتها وتراثها الأدبي, تماشيا مع غاية الكتاب التي لخصها العنوان (البواريد: موطن - ونسب - وقصيد).
وقد أحزنتني عبارة المؤلف التي تكاد تتكرر في كل ترجمة لشعراء أسرة البواردي, وهي (ولكن عدم التدوين ضيع الكثير من شعره), وكنت كلما قرأت ترجمة لشاعر منهم قلت هذا أعظمهم فلما أنهيت التراجم أدركت أنهم كفرسان الرهان وإذا كانت الموهبة الفذة تجمعهم فإن لكل واحد منهم ميزة ترسم شخصيته الخاصة.
وبيت السياحة أعلاه من نظم الشيخ محمد بن إبراهيم البواردي (ت 1404هـ) أحد أبرز شخصيات أسرة البواردي, ولا يتسع المجال للتعريف به وقد عرّف به العارفون في مقالات وكتب.. والشيخ محمد زيادة على كونه إماماً وخطيباً وقاضياً أمضى حياته في القضاء والدعوة والإرشاد؛ كان شاعراً ينظم الشعر الفصيح والعامي, وأديباً وناقداً, وله روح مشرقة مطبوعة على نشر المرح والدعابة والنوادر والمفاكهات, وله شعر كثير سجل شيئاً من مداعباته مع أصدقائه وزملائه.
فمن طرائفه في الشعر الفصيح التي أوردها مؤلف الكتاب: «ما رواه الشيخ ناصر الشثري قال زرنا فضيلة الشيخ محمد البواردي وهو يسكن في منزل شمال عمارة الباخرة بالرياض, فاستشهد بهذين البيتين القديمين, وهما:
ومن المروءة للفتى
سكناه دارا فاخره
فاشكر إذا أوتيتها
واعمل لدار الآخره
وأضاف لهما بيتا ثالثا من تأليفه:
واشتر لنفسك فلة
واسكن شمال الباخره».
ومن طرائفه في الشعر العامي قول المؤلف: «قال الشيخ صالح المطلق: كنت معزوماً عند الشيخ محمد البواردي, وعند تقديم العشاء قال لي: أجيب لك رشوف؟ أي مرقة, فقلت بيتاً قديماً من الشعر العامي:
إن عطاني صاحبي شفت امعَروفه
وإن فهقني صاحبي متلاحقينْ
ولم اشعر إلا وهو يسعى إلي بمرقة في إناء ويقول:
ما عطاك صويجبك إلا رشوفه
وْمْنَ المودّه مّدها لك باليمينْ»