لم تتعرض المملكة العربية السعودية عبر تاريخها لهجوم إعلامي وسياسي شرس كما تتعرض له مؤخراً.. نعم الهجوم الإعلامي على المملكة لم ينقطع مع اختلاف حدّته قوةً وضعفاً.. وهو أمر لا غرابة فيه والمملكة ليست وحدها في مثل هذا الأمر.. مثلها مثل الدول العالمية كافة التي لم ولن تَسْلَم من السِّهام الإعلامية نتيجة اختلاف المواقف والرؤى.. واختلاف المصالح والأهداف.. وكذا التباين في العقائد والقيم الحضارية.. إلا أن الأمر لم يعد كما كان في الحضور الإعلامي تراشقاً وهجوماً نتيجة الاختلافات والخلاف والتباين.. وإنما أخذ مناحي أخرى متعددة ومختلفة تتناول الكيان من أساسه.. وتدخل في مفاصل مؤلمة في تناغم خطير بهدف الدمار من القاع إلى القمة.. ساعد على ذلك الكثير من المتغيرات الجديدة على الساحة العالمية ووجد فيها أعداء الأمة فرصة مناسبة لتحقيق أهدافهم على المستوى الداخلي والخارجي.. من تلك المتغيرات ما تشهده المنطقة العربية من فوضى وضياع هوية ودمار بأيدي أصحابها سواء كان ذلك بإرادة جاهلة أو باستغلال أجنبي وجد الوقت مناسباً لجعل أعاليها أسافلها.. ومن المتغيرات أيضاً بروز منظمات وأحزاب ومجموعات تمتطي صهوة الدين وتدّعي - جهالة - أنها تطبق شرع الله وأنها لا غير على الطريق المستقيم وغيرها ضال.. فتصارعت تقضي على الأخضر واليابس تفجيراً ودماراً.. ومتغير آخر يكمن في تلاشي الهيبة العربية بعد انهيار معظم دولها وبخاصة الكبيرة منها مثل مصر والعراق وسوريا وغيرها.. وانشغال ما تبقى منها بالذات خوفاً من الانتهاء إلى نفس المصير.. وأيضاً انفتاح الجيل العربي على مصادر جديدة ومتعددة لتكوين المواقف وبلورة التوجهات نتيجة الثورة التقنية الكبيرة في عالم الاتصالات.. الأسباب والمتغيرات كثيرة جداً ومتعددة، وليس هنا مجال للتقصي والبحث في مكوناتها وإنما هي من أتاح الفرصة الذهبية للآخر - أياً كان الآخر - لتحقيق الأهداف بنجاح.. وهدم ما تبقى من الدول العربية.. في ظل هذا الواقع المر يكون الهجوم الناري على المملكة وبأساليب وأطروحات لم تكن ظاهرة من قبل.. والجديد في الموضوع والأسوأ فيه هو دخول رموز السياسة من القيادات العالمية بدءاً من أوباما إلى ميدان الهجوم على المملكة.. وهو أيضاً ما لم نعهده من قبل.. وباستعراض هذه الحملة الإعلامية السياسية نصل إلى نتيجة ظاهرة تتمحور حول تناول المملكة بكل مكوناتها ومن أهم ذلك عقيدتها.. ومتى ضربت اأمة في مكونها الأساس فالأمر - إذن - في غاية الخطورة.. فالحرب التي تَلُوح ملامحها في الأفق هي حرب (عقدية) شئنا أم أبينا.. عزز في ظهورها مجانين المسلمين الذين تمنطقوا بمتفجراتهم هنا وهناك.. فعاثوا في الأرض يستفزون الأعداء والأصدقاء ويقدمون لهم على طبق من ذهب وسائل تبرير تُشرعن لضرب المسلمين بيد من حديد.. تَحوَّل ذلك إلى ضرب النظرية نفسها.. إلى ضرب الإسلام كعقيدة بصفته المُحفِّز - كما يريدون أن يصفوه - على الإرهاب والدمار.. وبما أن المملكة أرضٌ هي منبع الإسلام وحاضنة مقدساته.. فإن الوقت مناسب للهجوم والوصول إلى غايات قد لا تكون جديدة ولكن حان وقت قطافها.. في المقابل ماذا أعددنا لذلك؟
ما هي خططنا التكتيكية والاستراتيجية لمواجهة استقصادنا؟ إلى أين وصلت جهودنا لحماية المواطن من الانسياق خلف هذه التيارات الجارفة من الهجوم وهو وما تلمح نتائجه أحياناً في سطور بعض الكُتَّاب وفي أحاديث الشباب؟
هل نحن موجودون في الساحة العالمية نشرح الحقائق وندحض الافتراءات.. نقدم أنفسنا أُمَّة سليمة مسالمة.. على الحق سائرة وفي السِّلم العالمي مُسهمة..؟
هل اتخذنا قراراً بتخطي حديثنا لذواتنا لما هو أبعد إلى الساحات العالمية.. وانتزاع جهودنا من العمل الاتصالي التقليدي إلى العمل المهني المؤثر..؟
هل آن لنا أن نتغيَّر من خطابنا في الحديث لنا وللآخر؟ أسئلة كثيرة.. قد يكون لها إجابة.. ولكن الإجابة الأهم والواجبة في هذه المرحلة هي الخروج إلى ساحة العمل فوراً وبرؤية تجعل الماضي خلفها وتتعامل مع معطيات التقنية الاتصالية الحديثة بعد دراسة لمسببات ما تتعرض له المملكة ولماذا وكيفية مواجهته لعل وعسى.
- د. ساعد العرابي الحارثي