أمل بنت فهد
من الصعب فهم ساكني دائرة «الطفش» والمتذمرين أبداً من مصاعب الحياة.. والناقمين على أصحاب الحظوظ الذهبية.. والمغيبين في هم المؤامرة التي تحاك في الخفاء.. دون دليل منطقي عدا توقعات واعتقادات تراكمت منذ زمن بعيد وخلفت وراءها شخصية تعتقد أنها محور الكون والشغل الشاغل للآخر.. رغم أنه قد يكون في موقع الأضعف اقتصادياً وثقافياً.. مما لا يؤهله ليكون صيداً يستحق العناء أو التفكير.. بل هو على هامش الحياة يعيش.. وليس له وجود أصلاً.. عدا أنه يستهلك الهواء والماء كأي مخلوق استهلاكي.. لا يعرف متى كان له دور في شيء اسمه الإنتاج.
هو الذي ليس لديه شيء يشغله.. وليس له هدف واضح.. ولم يختر دوراً في حياته أو حياة الآخر كي يعيشه.. هو الأكثر مشاركة في إبداء الرأي.. وفي كل شأن تجده أول من يحلل ويفند ويقول.. سريع جداً لا يهاب أن يكون أحمق.. بل يتقدم بتهور يظنه شجاعة.. ولا يدري أن من كثر حديثه كثر خطأه.. وكانت عثراته أكثر.. وبات أقرب للإحراج.. فهو المفضوح أبداً لاقترابه من دائرة الضوء وهو عارٍ من الفهم.. يجهل المعلومات.. يتحدث ثم يفكر.. وكلما تحدث غرق أكثر في جهله.
يتملص من مسئوليته تجاه نفسه.. بمعنى يمكنه أن يجد ألف شماعة يعلق عليها خيباته وفشله.. إلا أن يعترف بأنه هو سبب نفسه.. وهو علة ذاته التي لم يعلمها كيف تحلم.. وكيف تصل.. هو المشغول أبداً بالآخرين.. بأرصدتهم المالية.. بأخلاقهم.. بأسرارهم.. بفضائحهم.. بسلوكياتهم.. كأنه ينتقم من حظهم.. يناصبهم عداء يحاول أن يخفيه.. لكنه ظاهر وإن تعلل بالإصلاح والخوف عليهم.. فذاته أحق بأن يصلح أحوالها لو كان صادقاً.. فمن خذل نفسه لا يمكنه أن يمنح غيره طوق نجاة.. بل هو مجرد حشري وفضولي.. يستميت من أجل النيل من الآخر.. لأن انتصاراته الوهمية يقتات بها كي لا يموت جوعاً.. جوع الشهرة.. جوع الأضواء.. جوع الكلمة المسموعة.
تلك الشخصية لها أتباع كُثر.. أتباع تحمل نفس الفكر.. يحبطون البشر حين يكون الناس أحوج ما يكونون لمن يقول لهم أن الدنيا بخير.. وأن الإصلاح إنما يبدأ من الذات وليس الآخر.. وأن الاكتفاء المادي مرحلة تأتي بعد تعب وبحث وجهد جهيد.. وأن قبول الوظيفة براتب متدنٍ بداية مع نية الوصول إلى كرسي القيادة أو رفع الراتب على أقل تقدير.. وأن نقد خدمة متدنية المستوى يأتي بعد فهم الحق والواجب.. نقد بهدف الحصول على خدمة أفضل.. وعندما تتحدث وملئ فمك فهم النظام فمن عساه يستطيع أن يقف في وجهك!
فكل حلم هو قطع مبعثرة.. وتجميعها يكون بخطوات وليس قفزات.. والصعود يخضع لبداية من الصفر.. تدريجي وليس عموديا.. فإما أن تتحمل مسئولية أن يكون لك حلم وتحققه.. أو ستبقى نفس الاستهلاكي حتى آخر نفس لك.