فوزية الجار الله
لم يكن حلمي بامتداد الأفق، لكنني لم أتوقع تلك العتمة المطبقة، التي تراوحت ما بين اللا مبالاة والأنانية والقدرة على المراوغة..
في الأسبوع الماضي وجدتني في أحد المحال التجارية الذي توجهت إليه مع سبق الإصرار والترصد واستعادة الجميل في الذاكرة، حيث اعتدت على ارتياد المحل منذ سنوات ما بين الفترة والأخرى، وقد أعجبني كثيراً أسلوب التعامل مع الزبائن من قبل البائعين وخاصة لدى مدير المحل وهو من الجنسية السورية، حيث تميز الأخير بحسن الضيافة واحترام الزبائن واحتوائهم جميعاً رجالاً ونساء، وقد بدا أمامي متمرساً محترفاً لفن إدارة العلاقات العامة لذا فقد عدت إليه.
أثناء جلوسي لانتظار طلبي كان ثمة زبون آخر وقور بدا ذلك من بياض الشيب الذي يكسو فوديه، وقد علمت أنه من الجنسية اللبنانية، تأكد ذلك من خلال الحوار الطريف، المرح فيما بينهما.
التزمت الصمت وقد طال الوقت قليلاً حينها استدار البائع وهو يقول للرجل: قهوة !.. نعم، وافق الرجل.
رمقني بنظرة وسؤال: قلت وانا أشير برأسي ب.. لا فالوقت متأخر وأخشى أن تسبب لي أرقاً.. قال بإصرار مصحوب بابتسامة: لا قهوتنا مختلفة، لا بد لك من تجربتها.
أخذ يتجاذب أطراف الحديث مع الزبون الآخر وهو يقدم له علبة من الحلوى قائلاً: هذه حلوى وصلتني مؤخراً من الشام، حين استدارت يده بالعلبة الفاخرة تصاعدت رائحة جميلة للحلوى ما بين الفانيلا والسمسم.
أجاب الرجل حين سأل الزبون (الوقور) عن زوجته قائلاً: لقد نزلت إلى الشام وأنا سأتبعها قريباً.
سألتُهُ بمنتهى الدهشة: هل هو أمر عادي أن تذهب إلى الشام؟
أجاب: نعم، لا بأس.
- ألا يوجد حرب أو هجمات مفاجئة؟
- لا، لا يوجد ضرب أو حرب، فقط على الريف وعلى أطراف الشام.
كان يتحدث وكأنما هؤلاء الذين يُقتلون يومياً ليسوا منه ولا هو منهم!
- أضفت: عسى ألا تكون مع بشار؟!
أجاب: الأمر لا يخص بشار وحسب، بل هو أكبر من بشار!.. ثم إن هذه بلادنا ليس لنا سواها.
شيء ما انطفأ في داخلي أحسست بأن جواب الرجل كان مراوغاً! كيف يكون الأمر أكبر من بشار؟! كمن يقول بشار بريء، لا حول له ولا قوة.. كيف يكون ذلك بينما هو من بدأ بقتال شعبه وهو من استمر حتى الآن حتى اكتشفنا يقيناً منذ عام أو عامين بأن روسيا وإيران هما من يقف وراءه، يدعمه ويمده بالسلاح!
كان الرجل يتحدث وكأنما لا شأن له، كأنما لم يصل عدد الشهداء في أنحاء سوريا أعداداً هائلة تجاوزت مئات الألوف وفي رواية أخرى يقال إنها قاربت المليون، كان يتحدث ببساطة وكأنما لم يتم تجويع وتشريد كثير من أبناء هذا الشعب هذا إضافة إلى من غرقوا في البحر نتيجة للتهجير القسري.
هذه هي الحقيقة المرة في كل مجتمع وفي كل حرب هناك من تبلغ أنانيته أقصى مداها، لا يهمه سوى سلامته وسلامة عائلته أما البقية فليذهبوا إلى الجحيم، كأنما لسان حاله يقول تقاتلوا كيف ومتى شئتم، لكن لا أريد إزعاجاً فأنا أحب تناول قهوتي الصباحية بمنتهى الهدوء.