د.هلال بن محمد العسكر
اهتزت أسرة التعليم والشورى وكل المجتمع في المملكة العربية السعودية على وقع وفاة رجل التاريخ والتعليم والثقافة والشورى والصحافة والأدب الرفيع والأخلاق الحميدة والسيرة العطرة، الصديق والزميل والأخ العزيز الأستاذ الدكتور/ عبدالله بن ابراهيم العسكر، أستاذ التاريخ المعروف بجامعة الملك سعود، وعضو مجلس الشورى، والذي لبى نداء ربه يوم الجمعة 24 شوال 1437هـ في مدينة الإسكندرية بجمهورية مصر العربية، إثر حادث مفجع وأليم تعرض له راجلا، فارق على إثره الحياة تغمده الله بواسع الرحمة وجبر عزاء أهله ومحبيه بل وعزاء الوطن وتاريخه.
وبنبأ وفاته اعتراني شعور، كثيرا ما يعتريني، خصوصا، عندما يصلني نعي الإخوة والأصدقاء الأعزاء ممن هم في قامة الفقيد الأستاذ الدكتور عبدالله، ولقد فزعت بالخبر الصاعق، حتى اهتز وجداني هزة عنيفة جعلتني أستحضر صورة الفقيد عن الحياة الدنيا، تعودت استحضارها كلما نعي إلي أخ أو صديق عزيز ، وصورة الحياة في شكل سراب بقيعة يحسبها الأحياء شيئا، وهي في حقيقة أمرها لا شيء؛ في لحظات عابرة ينتهي عمر الإنسان بكل ما فيه من آمال طويلة عريضة، كما تنتهي موجة عند شاطئ بحرفي لحظات. ويبدو الناس أشبه ما يكونون بأمواج متلاحقة عند شاطئ الحياة الفانية.
عرفت الفقيد من معرفة أسرته الكريمة ذات التاريخ الوطني المشرف، وعرفته أستاذا مؤرخا وباحثا بارعا في جامعة الملك سعود التي أحبته وأحبها، وكذلك عضوا في مجلس الشورى مدافعا عن كل ما يخدم مصالح الناس، مخلصا لدينه ووطنه وقيادته، كما كان -يرحمه الله- صديقا عزيزا للأسرة، وعرفته أخا سمحا، متواضعا، وطنيا منشغلا بهموم وطنه وأمته؛ كثيرا ما يؤلمه تاريخ الأمة وما آلت إليه،. كان صادقا مخلصا وفيا شهما كريما محبا للعلم معينا عليه بالتاريخ وكتبه وأحداثه وأدق تفاصيله حتى النخاع، وبخاصة تاريخ الوطن الذي كان غيورا عليه ويدين له بالانتماء الشديد.
سبقنا الأخ العزيز علينا أبو معاذ بالرحيل، عبر طريق الدنيا الزائلة، إلى طريق الآخرة نحو الخلد، وفقدنا شخصية فريدة بعلمه ونقائه وطيبته، فاللهم أحسن استقباله بين صفوة خلقك في عالم خلدك، وأمنه، ويمنه، وأكرم نزله ومثواه ، ولا تبتليه في قبره بما لا طاقة له به، وزده إحسانا إن كان محسنا، وتجاوز عنه ما كان منه من تقصير إن كان مقصرا ، اللهم حاسبه بعفوك، ولا تحاسبه بعدلك فإن عفوك يسبق عدلك، وأنت أرحم الراحمين يا رب العالمين . اللهم إني أشهد فيه شهادة خير ولا أزكيه عليك وأنت أعلم بخلقك من أنفسهم. اللهم ارحمه رحمة واسعة، وارحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه، وليسامحني أهله وذووه إن خانني التعبير وأنا تحت تأثير صدمة لم أطق تحملها .. اللهم ألهم أهل الفقيد وأحبابه وأصدقاءه وزملاءه جميل الصبر والسلوان، وأعظم أجرهم، وأبدل محبتهم احتسابا عندك ، وإنا لفراق أخينا العزيز لمحزونون، ولكننا لا نقول إلا ما يرضي رب العالمين: إنا لله وإنا إليه راجعون.
أختم رثائي في الفقيد بما قاله صاحب هذا البيت الشارد:
أتعبت نفسك بالتاريخ تكتبه.... حتى رأيناك بالتاريخ مكتوبا!