يوسف المحيميد
انتشرت خلال الأسبوع الماضي قضية القبول في الجامعات، وعدم القدرة على استيعاب الطلاب والطالبات خريجي الثانوية العامة، بالرغم من ازدياد عدد الجامعات وقدرتها الاستيعابية إلى أرقام غير مسبوقة خلال السنوات العشر الماضية، ومع ذلك بقيت دوامة البحث عن مقعد جامعي، رغم أننا نمنح الكثير من المقاعد للطلاب غير السعوديين، تقديرًا لأزمات الشعوب العربية!
أفكر أحيانا، إذا كانت هذه الجامعات العديدة، بميزانياتها، وهيئات التدريس فيها، ومبانيها الضخمة، غير قادرة على تحقيق أول أهدافها المباشرة، تجاه المواطن، وهو توفير مقعد دراسي له، فكيف ننتظر منها الدور الأكثر تعقيدًا، وأهمية، وتأثيرًا على التنمية في أي دولة، وهو خدمة البحث العلمي، ودوره الكبير في حل الكثير من المشكلات المجتمعية والاقتصادية وغيرها؟
معظم جامعات الدول المتقدمة تجاوزت المشكلات الأولية، واستطاعت أن تصل إلى استقلالها المالي عن الحكومات، وأصبحت قادرة على تطوير ذاتها بذاتها، في مجالات التعليم والتأهيل والبحث العلمي، بينما في العالم العربي لم تزل معظم المشكلات قائمة، فالجامعات العربية تنتظر الدعم من الحكومات، فلا تحقق استقلالها التام عنها، خاصة في اختيار مشكلات البحث، وبحثها بشكل عميق، فلا يمكنها اختيار المشكلات القائمة، ومعوقات التنمية في دولها، لا يمكنها على سبيل المثال، دراسة الفساد المالي والإداري، أسبابه، شبكاته، الجهات المتورطة فيه، تأثيره على التنمية الاقتصادية... إلخ، ولو تمكنت في دراسة مثل هذا الأمر، فلن تكون حرَّة تماما أثناء البحث، ولن تصل إلى البيانات المساعدة على البحث، للتوصل إلى نتائج دقيقة، وفيما لو توصلت إلى ذلك، لن تملك الحرية في نشر نتائج مثل هذا البحث، واستخدامه من قبل الجهات ذات العلاقة، المسؤولة عن النزاهة! ولا يتعلق ضعف البحث العلمي في العالم العربي، بأهمية استقلال الجامعة والمركز البحثي فيها فحسب، وإنما أيضًا في وجود فجوة واضحة بين الصروح الأكاديمية، وبين واقع المجتمعات العربية، التي تعيش مشكلات معقدة ومتجذرة، بينما البحوث العلمية تعمل في مجالات بعيدة كل البعد عن واقع المجتمعات وتنميتها المطلوبة، مما يجعلها غير جاذبة لرجال الأعمال ودعمهم، فضلا عن عدم وضوح الرؤية والأهداف لدى هذه الجامعات، وبيروقراطية العمل، وعشوائيته أحيانًا، وافتقاد الموضوعية، وغياب النظام الجاذب للكفاءات المتميزة في مجالات الدراسة والأبحاث، وغياب أدوات القياس والتقييم للمؤسسات البحثية العربية، وغيرها من الأسباب التي جعلت مستوى البحث العلمي متراجعًا على المستوى العربي، مما أثر سلبا على تنمية هذه الدول وتقدم شعوبها!
وما لم يتطور مستوى البحث العلمي في الدول العربية، ويتجاوز معوّقاته المعروفة، على رأسها الإنجاز في بيئة ديمقراطية مستقلة، سيبقى هذا العالم متأخرًا عن غيره في مختلف مجالات التنمية!