«الجزيرة» - بشير عبدالله:
المتتبع للملف اليمني ومجريات الأحداث فيه سيلاحظ أن الدور المهم والمحوري الذي لعبته المملكة العربية السعودية وما تزال لدعم ومساندة اليمن حكومة وشعبًا في كل وقت وحين، بات واقعًا ملموسًا ومنهجًا مدروسًا تسير على خطاه قيادة وحكومة المملكة العربية السعودية في سبيل نصرة الحق ودعم الجار وتلمس همومه وقضاياه ومساعدته في السراء والضراء، وهو ما التزمت به المملكة في سياساتها إزاء اليمن منذ سنوات عديدة، وهو ما تؤكده الوقائع والشواهد التاريخية التي تثبت بجلاء التزام المملكة تجاه اليمن ودعمه ومساندته في كل المحطات التاريخية التي مر بها.
لقد أثبتت المملكة العربية السعودية بما قامت به من دور إيجابي تجاه اليمن خلال السنوات الأخيرة وهي التي تتابع باهتمام مجريات الأحداث فيه منذ عام 2011 التي كادت أن تعصف بهذا البلد وتجره إلى منعطف مظلم خطير لا يستطيع الخروج منه ولو بعد عشرات السنين، أثبتت أنها ذاك الشقيق الحريص على أمن وسلامة الأخ فلم تأل جهدًا في مد يد العون والمساعدة والنصرة للأشقاء وتلمس همومهم واحتياجاتهم، إِذ إنها لم تقف إزاء ما حدث فيه مكتوفة الأيدي بل سارعت إلى لعب دور محوري في حفظ الكيان اليمني من التمزق أو الانهيار ومدة يديها البيضاء لانتشاله قبل الواقع في وحل مظلم، وساعدته في تجاوز المحنة حيث قدمت المبادرة الخليجية ودعمتها لتصبح واقعًا التزمت به كل الأطياف السياسية، ونجحت اليمن بفضل دعم وجهود المملكة في تجاوز هذه المحنة وعادت بوضعها إلى المسار الصحيح، غير أن الأطماع الخارجية وتربص الأعداء واستغلالهم لشهوة السلطة ورغبة العودة إليها لدى بعض الأطراف اليمنية قد دفعت بالملف اليمني إلى المشهد من جديد حيث برزت نوايا الأطماع الفارسية في المنطقة وبدأت اللعبة تتكشف وتظهر الحقائق جلية أمام الجميع، إِذ لم يعد خافيًا على أحد الدور الإيراني في اليمن ومحاولات الدفع به إلى نفق مظلم ما يزال فيه حتى الآن، حيث ظلت إيران بالسر تارة وبالعلن تارة أخرى تدعم الحوثيين وتزودهم بالمال والسلاح وترسم لهم مخططاتهم مستغلة فقر وجهل الكثير من اليمنيين لتزرع في قلوبهم العداء والحقد تجاه بعضهم البعض وتجاه أشقائهم وجيرانهم في المملكة العربية السعودية الذين ظلوا على مدى التأريخ هم العون والسند لليمن وشعبه، وكان هذا البلد وما يزال البيت المفتوح الذي يلجأ إليه ويأوي فيه ملايين اليمنيين.
لقد انكشف المخطط ألصفوي وما كان يبيت له الحوثيين كأدوات بيد إيران، عندما سعوا في الانقضاض على السلطة الشرعية في اليمن وتنفيذ انقلابهم ودخولهم العاصمة صنعاء واحتلالها بقوة السلاح واستيلائهم على المعسكرات والقصر الرئاسي ووضعهم الرئيس اليمني الشرعي عبده ربه منصور هادي وحكومته تحت الإقامة الجبرية قبل أن يتمكنوا لاحقًا من الفرار إلى عدن ومنها إلى المملكة العربية السعودية، ليطلبوا من أشقائهم النصرة والدعم والمساندة حتى لا تقع اليمن فريسة سهلة بيد الإيرانيين الذين يسعون من خلالها إلى الانطلاق في تنفيذ مخططاتها الإجرامية بحق اليمن والمملكة والمنطقة برمتها.. وبفضل من الله تنبهت المملكة العربية السعودية لذلك الخطر منذ وقت مبكر، وما أن تسلمت من الرئيس هادي طلبًا رسميًا بدعم الشرعية والتدخل العسكري لإنهاء الانقلاب حتى سارعت في الاستجابة للطلب وبذلت كل ما في وسعها لإفشال المخطط ألصفوي، مُشكلة تحالفًا عربيًا أطلقت من خلاله عاصفة الحزم للقضاء على القدرات العسكرية التي تشكل خطرًا على المملكة والمنطقة، لا سيما وقد انضم للمتمردين الحوثيين الرئيس المخلوع صالح الذي يسيطر على ترسانة كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية وما يزال يحتفظ بها بالرغم من أنه قد غادر السلطة ما يثبت أن السلطة ورغبة العودة إليها قد أغوته مجددًا ودفعت به ليتحالف مع هذه الجماعة الضالة بالرغم من أنه قد خاض معها إبان حكمه ست حروب وقفت خلالها المملكة إلى جانبه لدعم الشرعية اليمنية والقضاء على التمرد كديدن المملكة في مساندة الحق أينما كان ومع من يكون طالما وقضاياه عادلة تضمن حقوق البلدان وشعوبها وتحصنها من أية مطامع ومخاطر خارجية وهو ما يمليه عليها دينها الإسلامي وحقوق الجار وروابط الأخوة والعروبة ووحدة الدين.
وحين انطلاقة عاصفة الحزم انطلقت من أهداف واضحة ودقيقة وضعت بعناية متناهية لما فيه خدمة اليمن وشعبه وللدفاع عن أراضي المملكة ضد أية عدوان خارجي ولمواجهة الأطماع الفارسية في المنطقة. مستندة بذلك للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أنه ليس في ميثاق الأمم المتحدة ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء «الأمم المتحدة» وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين»، وتطرقت المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة إلى أن التدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورًا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس - بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق - من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه.. وهو ما انتهجته المملكة العربية السعودية وعملت بمقتضاه في تعاطيها مع المتمردين الحوثيين وحليفهم صالح بعد أن بلغ بهم الحقد مداه في الاعتداء على الأراضي السعودية وإطلاق نيران صواريخهم البالستية وقذائفهم المدفعية إلى داخل الأراضي ومحاولات التسلل تلو الأخرى إلى أراضي المملكة سعيًا منهم في تنفيذ المخطط الصفوي في المنطقة.
الحكومة اليمنية الشرعية ومن خلفها الشارع اليمني أكَّدوا بشكل علني عن شكرهم وتقديرهم للمملكة العربية السعودية ودول التحالف العربي لما قامت وتقوم به من دعم ومساندة لليمن وشعبه لاستعادة الشرعية وإحلال الأمن والاستقرار والسلام فيه وتحقيق آمال وتطلعات اليمنيين ورفع معاناتهم، فكان للقيادة الشرعية اليمنية والحكومة اليمنية وكافة مسؤولي وقيادات اليمن قولها الحق في أن عاصفة الحزم وعملية إعادة الأمل هي من إعادة الحياة لليمن وشعبه وحصنته من كل المؤامرات والمخططات الخارجية التي كادت أن تعصف به لولاء دعم ومساندة الأشقاء في المملكة ودول التحالف ووقوفهم إلى جانب الحق لاستعادة الشرعية وإنهاء الانقلاب.
كما كان للشارع اليمني رأيه فيما عبر عنه من خلال المظاهرات والمسيرات التي جابت عديدا من الأحياء والشوارع والساحات في مختلف المدن اليمنية رغم الظروف التي يعيشونها وأداة القمع والقتل المسلطة فوق رؤوسهم من ميليشيا التمرد والانقلاب رافعين شعارات «شكرًا سلمان» ليوصلوا رسالة واضحة وجلية للعالم أجمع بأن الشعب اليمني ضد الانقلاب ومع حكومته الشرعية وأن ما قامت به المملكة العربية السعودية ودول التحالف العربي من خلال عاصفة الحزم ومن ثم إعادة الأمل هو ما ينشده اليمنيون وما يحقق آمالهم وتطلعاتهم فلم يجدوا أسمى من تلك العبارة التي أطلقوها ورفعوها كشعار لهم «شكرًا سلمان».
المجتمع الدولي بدوره كان قد عبر عن موقفه منذ اللحظة الأولى بدعم الشرعية في اليمن لمواجهة الانقلاب وعبر عن موقف واضح بمباركته لانطلاق عاصفة الحزم وثمن جهود المملكة ودول التحالف العربي استلهامها لدورها الإقليمي في مجابهة الشر ونصرة الحق فكان لمجلس الأمن الدولي كلمته حيث أصدر القرار 2216 الذي بات أحد المرجعيات الأساسية لأي حل قادم للازمة اليمنية.
يستطيع أن يدرك المتابع المنصف أن المملكة العربية السعودية التي وقفت إلى جانب اليمن لم تقف وتضحي بالغالي والنفيس وتقدم أرواح ودماء أبنائها وتسخر كل إمكاناتها المادية والعسكرية والسياسية من أجل تحقيق أطماع ذاتية أو مكاسب خاصة وإنما كان استشعارًا منها بحجم المسؤولية الإنسانية والأخلاقية وروابط الدم والعروبة والدين إزاء ما يتعرض له بلد شقيق هو اليمن، فلم تقف مكتوفة اليدين إزاء ما يحدث فيه، لا سيما وما يمس اليمن يمسها، وأمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمنها، فضلاً عمّا أفصح به المتمردون الانقلابيون في اليمن من نوايا مبيتة إزاء المملكة والاعتداء على أراضيها وقد كان لبعض الممارسات الطائشة التي ارتكبوها على الأرض الدليل الفصل والقاطع في كشف صدق تلك النوايا.
لقد عبرت جامعة الدول العربية ومؤتمر العالم الإسلامي في قممه الدورية وبياناته دعم الشرعية في اليمن ورفض الانقلاب ودعم وتأييد ومساندة التحالف العربي في جهوده العسكرية عندما أطلق عاصفة الحزم ومن ثم إعادة الأمل ومباركته لكل ما يقوم به التحالف إزاء الملف اليمن وجهوده في الجانب الإنساني والدفع باتجاه الحل السلمي وهو ما يؤكد أن التحالف العربي كان قد اتخذ الصواب فيما قام به وسعى إليه في دعم الشرعية في اليمن ونصرة الشعب اليمني وإنهاء الانقلاب وفي كل خطواته وتعامله إزاء الملف اليمني كون ما قام ويقوم به يستند أساسًا إلى الشرعية الدولية، ويأتي منسجمًا مع كل المواثيق والقوانين والأعراف الدولية.
ما هو ملاحظ أن المملكة العربية السعودية قدمت وما تزال تقدم الكثير لليمن وللشعب اليمني، فكانت أول من دعم المسار السياسي لإنهاء الأزمة اليمنية وإنهاء معاناة اليمنيين لأنها هي من تقف إلى جانب الحق وهي دائمًا تمد يدها للسلام وقد ساندت كل الجهود الرامية لتحقيق سلام شامل وعادل في اليمن يستند على المرجعيات المحددة التي ارتضاها اليمنيون أنفسهم وفرضتها الأمم المتحدة في قراراتها، إِذ دعمت جهود الأمم المتحدة من أجل تحقيق السلام، وهو ما لوحظ خلال جولات المفاوضات التي عقدت بين الأطراف اليمنية - الانقلابيين والشرعية - بدءًا بمباحثات جنيف 1 وجنيف 2 ومرورًا بجولة المشاورات الأولى التي جرت في الكويت وصولاً إلى الجولة الثانية التي كادت أن تنهي هي الأخرى بالفشل نتيجة تعنت الانقلابيين وإصرارهم على إفشال أية جهود للسلام كونهم دعاة حرب ولا هم لهم إلا تحقيق مكاسب شخصية ورضاء غرورهم وتحقيق مخططات أسيادهم في إيران.
لقد أثبتت المملكة العربية السعودية أنها ليست مع أي حل عسكري وأنها تمد يدها للسلام وقد حاولت أن تفتح صفحة جديدة مع الانقلابيين في اليمن ودعت ممثل جماعة الحوثي إلى المملكة وعقدت مباحثات مباشرة كادت أن تنجح لولا تدخل إيران ومحاولاتها المستميتة لإفشال أي مساع للسلام في المنطقة.
إن إنهاء الأزمة اليمنية ونصرة الشعب اليمني ورفع المعاناة عنه كان وما يزال الهاجس لدى المملكة العربية السعودية ومعها دول التحالف العربي التي تسعى لأجل تحقيقه لأنها باتت تدرك أن معاناة الشعب اليمني لا بد من وضع حد لها وهو ما لا يأتي لا من خلال الحل السياسي العادل وتحقيق السلام الشامل، وبما يضمن إنهاء الأزمة واستعادة الحق وإنهاء الانقلاب.
ومع أول نداء للأمم المتحدة بشأن تقديم الإغاثة للشعب اليمني كانت المملكة العربية السعودية هي الدولة السباقة في تسيير القوافل تلو القوافل لإغاثة الشعب اليمنى وفك الحصار عنه في تعز وكثير من المناطق حيث كانت قوافل مركز الملك سلمان هي أول من يصل إلى المحتاجين والمحاصرين في كل مناطق اليمن متجاوزة بذلك كل الظروف والتحديات كما حدث في تعز من خلال القوافل الإغاثية والطبية التي تم إيصالها عبر الإسقاط الجوي واستطاعت أن تفك الحصار عن أبناء تعز الذين كاد الجوع والمرض أن يفتك بهم، ولم يكن الحال عند هذا الأمر فقد حرصت المملكة العربية السعودية منذ اللحظة الأولى لانطلاق عاصفة الحزم ومن ثم عملية إعادة الأمل على أن يكون العمل الإنساني والإغاثي أحد المسارات الأساسية للعمليات العسكرية، وقد جاء إنشاء المركز ليحقق هذا الهدف فكان اليد البيضاء التي امتد خيرها ليصل إلى كل بقاع اليمن ويستفيد من عطائه ملايين اليمنيين وهو ما أفصح عنه آخر تقرير للمركز واعترفت به الحكومة اليمنية وأكدته الشواهد والواقع نفسه، كون المركز قد حرص على العمل بتجرد تام وعمل على إيصال كل ما يمكن إيصاله من دعم وإغاثة إلى المستحقين والمستهدفين في كل بقاع اليمن دون تمييز بما في ذلك المناطق التي يسيطر عنها الانقلابيون من خلال شراكات عدة مع منظمات المجتمع المدني المحلية والمنظمات الدولية التي تؤكد تقاريرها ذلك مما طرحته هنا نستطيع القول إن المملكة العربية السعودية كانت وما تزال وستظل إلى جانب اليمن وستبذل قصار جهدها في الوقوف إلى جانب أشقائها في هذه المحنة العصيبة التي يمرون بها وستعمل بكل إمكاناتها لنصرة الشعب اليمني ورفع المعاناة عنه وسيكون للمملكة دون شك دور محوري في مرحلة ما بعد انتهاء الأزمة اليمنية واستعادة البلد لعافيته وعودة الحق لأهله في إعادة البناء والأعمار ومد العون لدعم مسيرة تحقيق التنمية وتحقيق آمال وتطلعات اليمنيين.