لن يكتفي المبدع مهما كان حجم الخدمات والتسهيلات والفرص التي تُمنح له، هذا في حالة معينة وعند فئة من فئات المبدعين، وفي حالة أخرى ومع فئة ثانية، فإن المبدع لن يقف في طريق إبداعه الكثير من المعوقات والعديد من المصاعب والإحباطات وأعداء التميُّز والإبداع..
تلك حالة، وهذه حالة وبينهما حالة أخرى وفئة مختلفة حيث تقدم للمبدع فرصاً وتواجهه مصاعب، مرة يُعطى ومرة يُجفى، فالمبدع في الحالة الأولى من فئة المخدومين حيثما يضع ثقله تقدم له الفرص وتأتيه العروض وتقدم له الخدمات كاملة، ليس لتميزه وإبداعه بل لأسباب أخرى، ونادراً ما تجد مبدعاً حقيقياً مع عدم إنكار وجود من يستحق أن يُشار له بالبنان لتألقه وإبداعه من بين هذه الفئة.
أما الفئة الأخرى والتي تقف في الضفة المقابلة فإنك ستجد المبدع الحقيقي الذي ينتزع حقوق إبداعه من بين براثن الظروف القاسية، وتأتي فئة المبدع الذي يقع بين الحالتين حيث نجد المبدع الحقيقي الذي يُفرش له البساط مرة ويُسحب منه مرة وسنجد أيضاً المبدع الطارئ على الإبداع تخدمه الظروف ويخذله إبداعه.
فإن كنت ترى نفسك مبدعاً ومن أهل الفئة المخدومة فلا بأس من ممارسة نزوتك الإبداعية، لكن احذر أن تكون هذه النزوة تجعلك تأخذ مكاناً كان في عُرف الأدب جديراً بغيرك، ولا أن تطيل المكوث لكي لا ينكشف ما وراء الأكمة!
وإن كنت ترى نفسك مبدعاً من أهل الوسط فأحسن الاستفادة من الفرص واخدم إبداعك الذي سوف يخدمك في يوم من الأيام إن كان إبداعاً حقيقياً، أما إن كنت من الفئة المكافحة وأوصلك إبداعك إلى حيث يتربع المبدعون، فهنا مكانك الذي تستحق،ولا تشكر إلا الله، وفي كل الحالات لا تلتفت إلى المؤلفات الطويلة والمقالات العديدة حول إشكاليات الإبداع في الوطن العربي، فهي أحياناً لا تسمن ولا تغني، ومن كتب بعضها هم من يقفون في وجه الإبداع والمبدعين..
كما ينبغي أن لا تركن كثيراً إلى بعض المؤسسات الثقافية فهي لن تخدمك كثيراً، وربما لن تكون في حساباتها إلا لسد فراغ وملء جدول فعاليات، لكن لا تبتعد عنها كثيراً وكن القريب البعيد، ولا تنسى أن تُعرف بإبداعك وبنفسك كلما حانت لك الفرصة المناسبة وأمام الأشخاص المناسبين.
لم يكن ما سُطّّر أعلاه سوى تجميع لرؤوس أقلام من مقولات سمعتها في قالب نصيحة أُسديت لي، ولعلي استوعبته من مبدعين بعضهم حقيقي وبعضهم غير ذلك، والبعض بين وبين، في وقت مضى فسطّرته حسب فهمي وإمكانيات ذاكرتي لعل أحداً يجد به ما يفيد.
عبد الله محمد العمري - روائي وشاعر