أ.د.عثمان بن صالح العامر
شخصياً أسجل إعجابي الشديد بشخص معالي وزير الشئون الإسلامية فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ، فهو من جمع الله له بين العلم الشرعي، والمعرفة الواعية بالواقع المعيش، والاستشراف الجيد للمستقبل (الممكن والمتوقع والمرغوب فيه)، وفي ذات الوقت جاد عليه ربنا- سبحانه وتعالى- وتفضل بالحسب والنسب ودماثة الخلق وحسن السجايا وكريم الطبائع والصفات، ينضاف إلى هذا وذاك الحس الوطني المتميز، والمعرفة الواسعة بأحوال الأمة وتجاذباتها، فضلاً عن فنون الإدارة والقيادة والتدابير السياسية الداخلية والخارجية، ولديه قدرة عجيبة على ضبط التوازنات بشكل دقيق، ومن تأمل في حجم الحقيبة الوزارية التي يتسنمها وخطورتها في ذات الوقت، ومن استبصر بمفردات خطابنا الديني الداخلي والخارجي، والمراجعات التي تمت عليه بروية ودراية وعلم سلفي وسيط مؤصل، ومن اطلع على شيء من المتابعة والمحاسبة للخطباء والأئمة والقائمين على شأن المساجد والجوامع على كثرتها وتباعدها... عرف شيئاً من الصفات والخصائص والسمات التي أهلت معاليه - بعد توفيق الله له وعونه- لأن يقوم على هذا الجهاز الإسلامي المهم والمؤثر - داخلياً وخارجياً - خير قيام ، منذ تسنمه لهذا المنصب عام 1420هـ وحتى تاريخه، مع أننا جميعاً نعرف جيداً حجم التحديات التي واجهتها الوزارة، وسيل الاتهامات التي منيت بها - بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر - من قبل قوى خارجية كثيرة ، ومراكز نفوذ قوية ومؤثرة، جعلت عدوها الأول الإسلام عموماً، والمملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين ومنهجها السلفي خصوصا، ووزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية على وجه أخص، وكلنا يذكر الرسالة التخيلية التي كتبها الكاتب اليهودي الأمريكي المعروف «توماس فريدمان»، عنونها: «عزيزتي المملكة العربية» قال في مطلعها: «رسالة من الرئيس بوش إلى الشيخ صالح آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية في السعودية.
عزيزي الوزير: أنا متأكد من أنك متعجب من تسلمك رسالة مني؛ ففي السابق كان الرؤساء الأمريكيون مهتمين بالكتابة فقط إلى وزراء البترول السعوديين؛ لأننا كنا ننظر إلى السعودية فقط كأنها محطة وقود نعبئ منها ونحميها، ولم ننظر إليها بجدية كمجتمع، ولكننا تعلمنا من أحداث 11 سبتمبر أنك أنت الوزير الذي يجب أن نتحدث معه لأنه - وبكل أسف - اشترك 15 شابا سعوديا في هذه الهجمات، أو بالأحرى 15 خريجا من مدارسكم وفصولكم الدينية»!!!
مناسبة هذا الكلام الوارد أعلاه زيارة معالي الوزير لجمهورية البوسنة والهرسك ولقاؤه بالدعاة البوسنيين، وترؤسه لمجلس أمناء مركز الملك فهد الثقافي بسراييفو، وما دار في هذه الزيارة والاجتماعات واللقاءات من أحاديث ووصايا قيمة، وكلمات ثناء متبادلة، ووعود مستقبلة جيدة.
لقد قاومت الوزارة سنوات طويلة اختطاف هذه المراكز والمساجد الملحقة بها المنتشرة في بلدان عالمية عديدة ، ومسئوليتها عنها في المرحلة الحالية والقادمة تكبر وتتعاظم في ظل : المد الشيعي من جهة، وتشويه الإسلام الحق على يد بعض المنتسبين إليه زوراً وبهتاناً من جهة أخرى، ووجود جماعات ومنظمات تسعى جهدها لتجد ملاذاً آمناً تحت ظل كيان مؤسساتي تابع لدولة قوية كالمملكة العربية السعودية، وهذا يعني أننا بحاجة ماسة لمثل هذه الزيارة المتكررة من قبل معاليه على وجه الخصوص، فالمراكز الإسلامية المماثلة تمثل إشعاعاً دعوياً مهماً ومؤثرا في عواصم عالمية معروفة ومشهورة، وهي المنفذ الوحيد اليوم للدعوة وإيصال صوت الإسلام الصحيح، ولذا فزيارة الدعاة المبرزين والعلماء الربانيين وأئمة الحرمين المعروفين لهذه المراكز العالمية دعم لها وتقوية ، علاوة على أنها مساندة سياسية ودعوية وتزكية فكرية وعقدية ، كما أن من الأهمية بمكان - في نظري - مد جسور التواصل بين وزارة الشئون الإسلامية ووزارة التعليم والاستفادة من الكوادر الموجودة في الملحقيات الثقافية ممن يجيدون اللغة ويعرفون المكان، ولهم دراية بالظروف الاجتماعية والنفسية لهذا البلد أو ذاك، وفي ذات السياق من المستحسن - في نظري - ربط الجامعات بمنظومة العمل الدعوي الخارجي بشكل أو بآخر، فنحن جميعاً بلا استثناء تحت المجهر، فكيف بالدعاة الذين هم في عدد من الدول - خاصة الأوروبية - محل اتهام للأسف الشديد!!!، بل إن الإسلام كله صار في فرنسا على سبيل المثال هو المتهم الرئيس فيما يحدث من إرهاب، وما يدري المرء ماذا سيكون عليه الحال في الولايات المتحدة الأمريكية بعد انتهاء الانتخابات.
إن إعادة الصورة الذهنية الصحيحة عن الإسلام الحق واجب الجميع، ولكن الوزارة وعلى رأسها معالي وزيرها الموقر هي من يناط به هذا الهم الجاثم على صدر كل مسلم يعرف أن الخطاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم للعالمين خطاب رحمة ومحبة وسلام لا خطاب كراهية وبغض وان تقام {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين}، شكراً معالي الوزير والوفد المرافق، دمتم بخير، وإلى لقاء والسلام.