د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
القبول في الجامعات موضوع ساخن يتكرر كل نهاية صيف، وتزيده حرارة الصيف سخونة على سخونته. ويلقي غالبية المواطنين اللوم كالعادة على الجامعات لسببين: أولاً، لأنها هي الطرف الأول في الموضوع، وهي الجهة التي ترفض بعض المتقدمين لها مباشرة؛ والثاني، أن المواطن غير معني بالصورة الكاملة للتعليم العالي، أو عملية تأهيل الشباب لما بعد المرحلة الثانوية لأنها معقدة وذات جوانب متفرعة. والثابت أن نسبة قبول خريجي الثانويات الذين يقبلون في الجامعات لدينا هي نسبة عالية مقارنة بدول العالم بما فيها دول العالم المتقدم، فهي تتراوح عالمياً، باستثناء السويد، وربما دولة أو دولتين أخريين ما بين 60-70% من خريجي المرحلة الثانوية. كما أن الجامعات لدينا تقبل عادة أكثر من طاقتها الاستيعابية التي تحددها مجالس الأقسام بناءً على الإمكانيات المادية، وأعداد أعضاء هيئة التدريس فيها، وغير ذلك من الأمور الأخرى ذات العلاقة. وترفع هذه الأعداد لمجالس الكليات التي تتأكد منها وتوصي بها وترفعها إلى مجلس الجامعة الذي عادةً ما يزيدها قليلاً ويوافق عليها.
تحدث بعد الاستيعاب أمور كثيرة، لأنّ التعليم الجامعي لدينا مجاني ويمنح مكافأة للطالب، يتعلق معظم هذه الأمور بأداء الطالب في الجامعة. ومن واقع خبرة طويلة، فكثير من الطلاب يدخل الجامعة دونما معرفة لرغبته الحقيقية، بل دونما رغبة في الدراسة الأكاديمية ككل. فتعليمنا الأولي يركز على التحصيل المعلوماتي أكثر من تركيزه على التوجيه التربوي. فالطالب ينهي المرحلة الثانوية دونما معرفة حقيقية لما هي ميوله العلمية، وبدون تطوير لقدرته على القراءة، أو حتى مجرد الرغبة فيها. ولذا فنسبة كبيرة من الطلاب يكون أداؤها الجامعي أقل من المفروض، وتبقى في مقاعد الدراسة لمدد أطول. ولو قسنا نسبة الطلاب الذين يرتادون مكتبات الجامعات لاتضحت لنا حقائق صادمة فعلاً.
يتداول العاملون في التعليم مصطلح يسمّى «التعليم الثالثي» Tertiary Education، أي التعليم ما بعد الثانوي، وذلك لتمييز هذا التعليم عن التعليم العالي الذي يعني الجامعات. ويشمل هذا التعليم: التعليم المهني، التعليم على رأس العمل، التعليم في المختبرات، التعليم الصحي الأولي وغيرها من المجالات التي تكفل للشاب العمل بعد التخرج. وتركيزنا على التعليم الجامعي فقط جعل سوق العمل تتكدس بخريجي الشهادات الجامعية غير القادرين على الحصول على عمل، والتبرير دائماً هو عدم ملاءمة مخرجات هذا التعليم لسوق العمل، وهذا أمر طبيعي لأن الجامعات لا تملك سوق العمل، وسوق العمل لا تساهم في تعليم الخريجين.
وظيفة الجامعات ليست تخريج العاملين فقط، ولكنها أيضاً تشمل التعليم الأكاديمي المتخصص، والتدريب على البحث، وتهيئة الطالب لمواصلة التعلم سواء بإشراف متخصص داخل الجامعة أو بجهد ذاتي خارجها. أي أنها تخرج شاباً راغباً وقادراً على مواصلة التعلُّم مدى الحياة. أما تلبية حاجة السوق من المتدربين على مهن خاصة فهي وظيفة القطاع الخاص مع التدريب المهني. وهناك شركات كسابك وأرامكو قطعت دوراً كبيراً في ذلك، وهي أدركت الفائدة من تدريب موظفيها حسب حاجاتها ومقاييسها. والأحرى بالشركات الأصغر أن تشكل تكتلات تدريبية تشرف عليها الغرف التجارية، أو مؤسسات متفرعة من التدريب المهني أو حتى الجامعات لتلبية حاجاتها. فقد استفادت البنوك كثيراً من إنشاء المعهد المصرفي على سبيل المثال، ويمكن لشركات التأمين، أو التجزئة، أو السيارات إنشاء جهات تدريبية مماثلة. والمحزن أن كثير من المعاهد، أو حتى مجالات التعليم المهني لا يتم الإعلان عنها بشكل جيد. ومعظم شبابنا قد يرغب فعلاً في ممارسة المهن لكنه لا يعرف كيف؟ ولا يستطيع منافسة الأعداد المهولة من الوافدين.
لدينا 25 جامعة حكومية، وثماني جامعات أهلية، وخمس كليات عسكرية وعدد كبير من الكليات، ولا تستطيع استيعاب عدد خريجي الثانويات الآخذة في التزايد، وتزيد حالياً عن 350 ألف خريج. وقد استوعبت الجامعات الحكومية 191 ألفاً منهم وينتظر أن تقبل المزيد، يقال 80 ألفاً إضافية، فماذا استوعبت قنوات التعليم الأخرى؟ للأسف لدينا أيضاً عدم ثقة في التعليم الأهلي العالي الذي ركز قبل كل شيء على الجانب المادي مما قلل من جاذبيته العلمية، لا سيما وأن ضوابط هذا التعليم ضعيفة حتى الآن. وكان يفترض بالتعليم الأهلي أن يستوعب أبناء الأسر الميسورة الحال على الأقل، الأسر التي تستطيع تحمل الرسوم الدراسية، إلا أن هذا التعليم استمر في اعتماده في جزء كبير من دخله على الدول، سواءً على شكل دعم رسوم أو ترشيحات حكومية. ولا زال بعض المواطنين الميسورين يركضون خلف كل ما هو مجاني في الدولة بما في ذلك التعليم المجاني. فليتنا ننصف الجامعات الحكومية وندرك أن لها قدرة استيعابية معينة إذا تجاوزتها خاطرت بالعملية التعليمية برمتها. وليت الجهات المعنية تعمل على رفع إمكانيات الجامعات، من حيث الدعم المادي والبشري المباشر، لتستوعب أعداداً أكبر من خريجي الثانويات.