تركي بن إبراهيم الماضي
لكل قصة - مهما كانت بسيطة- تفاصيل وأبطال، لا يمكن معرفة تفاصيلها إلا بمعرفة أبطالها!
وعندما تغيب عنك الأبطال والتفاصيل، لأي قصة تروى لك، فإنك ستراها من الزاوية التي تشعرك بالارتياح، أو القبول، أو قربها من المنطق. ولكل شخص عقل يحكمه، أو هوى يتبعه، أو تقوى تردعه عن الاتهام، أو الدخول في ذمم الآخرين!
قد أروي لك قصة مفادها: «رجل مر بمزرعة، وقطف تفاحة، ومضى دون أن يستأذن من صاحب المزرعة». قد يتهمه أحدهم بأنه سرق، وقد يراها آخر، بأنه رجل جائع أخذ ما يسد حاجته، وقد يتبرع أحدهم بتفسير القصة بمنحى آخر، بأن الرجل لم يكن سارقاً، بل إنه حمل التفاحة لجائع وتصدّق بها نيابة عن صاحب المزرعة. وقد يرى رابع أن للقصة وجهة أخرى، بأن التفاحة كانت فاسدة، وأن الرجل قطفها لئلا تفسد بقية التفاح، وهو بذلك صنع معروفاً لصاحب المزرعة.
كل تلك الآراء قد تصيب وقد تخطئ، وهي أقرب للخطأ، لأنها في النهاية تبني رأيها على الظن، وما يوافق عقلها، أو ما تراه منطقياً بالنسبة لها. لكنها لن تغني عن سؤال الرجل الذي قطف التفاحة: لم قطفها؟
الجواب وحده عند الرجل، وهي الحقيقة - إن لم يكن كاذباً - وليست في الآراء التي قيلت في القصة وبطلها!
هذه القصة القصيرة يحدث مثلها يومياً في مجتمعنا، سواء ما يعرض في وسائل الإعلام، أو شبكات التواصل المجتمعية، أو ما يدور من حكايات في المجالس العامة. كل قصة، مهما كبرت أو صغرت، ستكون تحت مجهر الآراء المختلفة، وكل شخص سيدّعي وصلاً بالحقيقة التي يمتلكها، لكنه كالآخرين، لا يملك إلا ظناً.
كثير من الناس «يطير في العجّه» ليعبر عن رأيه، إما ليلفت الانتباه، أو ليحقق سبقاً، أو ليوهم الناس أنه يعرف. على الأقل قبل أن تعبِّر عن رأيك، لابد أن تفهم القصة كاملة، بكل أطرافها، وإذا غابت عنك أجزاء من القصة، قل هذا ما أظنه، أو ما أراه، دون أن تحلف أو تؤكد جازماً بأنها الحقيقة ولا سواها.
أشفق كثيراً على الناس التي تتعجل وتعطي رأياً، خاصة في القصص التي تكون محور حديث العامة، لأنها ستغدو أضحوكة الناس، عندما تتكشف خطوط القصة كاملة.
ليس عيباً أن لا تعرف، ولكن السخرية ستلاحقك بألسنة لا ترحم، وهي تراك تدّعي معرفة بقصة لا تدري ألفها من بائها!