كوثر الأربش
إما شيطان، أو ملاك! ظلام أو نور محض، أقصى الشمال، أو أقصى اليمين.
هل يمكن أن نكون على صواب حينما نصنف البشر في خانتين فقط؟ ماذا عن بقية الخيارات؟ خلق الإنسان تتنازعه النوايا الطيبة والنوايا الشريرة. قد يسميها البعض وسوسة. ونحن تارة نمتلك القوة إزاء مغريات الشر ودوافعه وتبريراته، وتارة تضعف إرادتنا. هكذا نكون بشراً. لايمكننا أن نكون ملائكة كل الوقت، أو شياطين كل الوقت. لكننا مغرمون بالتمحيض، بصناعة الطغاة والمجرمين، أو الملائكة والأخيار. نستغرب حين نرى أحد الأخيار يخطئ أو يرتكب ذنبًا أو يتخذ قرارا سيئا. سوف تصاب حالة التصنيف بالارتباك، أين نضعه الآن. في القائمة السوداء أو قائمة الصالحين؟
ماذا لو كان فقط بشر؟ يخطئ تارة، يصيب تارة. وهكذا.
في 2 أغسطس الذكرى السنوية الموجعة لاحتلال الكويت. يرتفع الجدل مرة أخرى حول صدام حسين. البعض يهتف ببطولته ويدعو له بالرحمة. يسميه شهيداً ويتألم. البعض ينعته طاغية ويذكر أعماله السيئة وقد يلعنه أيضًا. كل عام نقف أمام هذا المفترق، لم يحسم أي الفريقين المعركة بعد. ليس صدام حسين فقط، شخصيات كثيرة لو فتشت من حولك ستجد حولها جدلا صاخبا. وسؤال عبثي لا يجد جوابًا: ملاك أو شيطان؟
ربما أنت في بيتك، ابن تراه ناجحا وآخر تنعته بالفاشل، جار طيب وجار شرير، أخ جيد وأخ سيئ. إن هذه الثنائية غير منطقية مطلقًا. متى ما أدركنا أن البشر لايمكن تمحيضهم، وأن مساحتي البياض والسواد لا تسع مليارات الخلق، وأن المخطيء قد يعود للصواب، والمذنب قد يتوب، والتائه قد يجد طريقه ويعود. إنني لا أدعي عدم وجود شخصيات شريرة، وشخصيات طيبة، نعم، هناك من تغلب عليه أفعال الشر بالمجمل والبعض أعمال الخير بالمجمل، لكن لا يعني هذا أنه امتلك العصمة. وأنه لاتوجد فرص للنقيض. في فلم «lord of the wart» مثّل نيكولاس كيج دور المجرم، كان متهوراً، ولا يرد إلا بطلقات الرصاص، كان قاتلاً لا يرحم. في أحد المواجهات مع خصومه كان يحمي أخيه الأصغر بشراسة (الممثل جيراد ليتو)، ولكن حينما تمكنت رصاصة من اختراق جسد الأخ، وسقط قتيلاً، بغتة تتغير ملامح كيج، يهبط بكل خشوع وألم، يلتقط قدم أخيه وهي ملوثة بالدم، ويربط خيوط حذائه بحزن ثاكل!. هل يمكن أن يشعر الطغاة بالألم؟ القاتل بالرحمة أحيانًا؟ نعم.. قد يحدث هذا، وقد تكون نقطة إضاءة لتوبتهم، لعودتهم للطريق السوي، للشفاء.
ليس علينا أن نحتل منطقة البياض، وننفر العائدين لها. باب التوبة مشرع، طريق الصلاح مفتوح للجميع، والبشر ليسوا أنبياء.