عبدالحفيظ الشمري
هل تظن بأنك منحوس؟.. سؤال دائماً ما يطرح على من لا يجد تفسيراً للمواقف التي يتعرّض لها البعض من حولنا، فهناك من يدرجها في خانة النحس، وسوء الطالع، والحظ العاثر، وما إلى تلك العبارات التي تصب في هذا الاتجاه الذي قد نَسِمُهُ أو نعرفه بعدم التوفيق.
فالنحس يعرف عن العرب بأنه «حلول الشقاء على شخص بعد سعادة وحبور» ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد من التعريف، بل اعتراه شيء من التوسع والاستطراد؛ حتى بات يشمل كل ما حوله من منغصات، وتعاسة، وشر قد يصيب ذلك الإنسان.
فقد داومت العرب قديماً على تتبع أمر النحس، والتوسع فيه، وتدوين الكثير من المؤلفات، والرؤى، والقصائد حوله؛ حتى عُرف بأن «هياج الريح يوم نحس» لا سيما إذا كان فيها غبار وعواصف، ومشقة على الخلائق، بل ظلوا يسمون من يُصاب بأمر النحس بأنه قد تحول إلى شرير، بسبب ما اعتلاه من نكد، وسوء طالع، وما إلى تلك الرؤى التي تحطب بحبل الأزمات والأوهام وتداخل المفاهيم.
هل النحس داء؟ وكيف يمكن علاجه؟.. سؤالان أيضاً يفترضان التصديق بأمر هذا النحس لا سيما حينما يوجد أمامنا تعريف يناقضه وهو «الحظ الجيد»، أو «المحظوظ».. فلم يثبت حقيقة لا في القديم، ولا في العالم الجديد أن النحس داء أو مرض؛ فكيف بناء أن نخترع علاجاً لما ليس هو في الأصل داء؟!
ويمكن تتبع الحالة والتوسع فيها لنكون أكثر يقيناً بأن العرب - كما أسلفنا - في الزمن القديم أدمنوا هذه الفرضية، وعملوا عليها، وتطرق لها الكثير من الشعراء والفلاسفة، بل وحتى العامة؛ حتى بقيت حالة معروفة وواضحة؛ إلا أنها تراجعت في العصر الحديث، ولم يعد النحس مسيطراً، إنما نجده بين فئة من الناس؛ قد تحيل بعض المواقف والأحداث العكسية على أنها نوايا شر، أو نحس، أو سوء حظ، أو ما إلى تلك الرؤى التي لا وجود لها في عالم اليقين والوعي والمعرفة.
فطالما أنه ثبت أن «النحس» ليس حالة مرضية فهذا يريحنا كثيراً من عناء التصوّر والتخيل والتوهم، بل يجعلنا أكثر يقيناً ومعرفة أن ما قد يصيبنا، أو ما يحصل لنا هو مقدّر لنا من عند الله سبحانه.