د. محمد بن يحيى الفال
شاحنة نقل بضائع تجوب شوارع ولاية نيو هامبشاير مُلصق عليها إعلان بالخط العريض يظهر فيه دونالد ترامب المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، فحوى الإعلان بالنص»لا تكون أحمقاً، تخلص من ترامب»، «Don›t Be Chump, Dump The Trump»، وفي منظر آخر من الولايات المتحدة، وتحديداً من مدينة فيلاديلفيا بولاية بنسلفانيا وخلال مؤتمر الحزب الديموقراطي تُصرح إحدى المشاركات في فعاليات المؤتمر والداعمة له والذي تمخض عن ترشيحه لهيلاري كلينتون «ترامب يقول الأشياء السيئة بينما هيلاري تفعل الأشياء السيئة». ما سبق، ليس إلا فيض من غيض لحال التنافس المحموم وغير المسبوق بين طرفي مرشحي الرئاسة الأمريكية القادمة والتي للتو انتهت أعمال فعاليات مؤتمري حزبيها، حيث عقد الحزب الجمهوري مؤتمره العام في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو، وعقد الحزب الديموقراطي مؤتمره بمدينة فيلاديلفيا بولاية بنسلفانيا، وكلا الولايتين تصنفان بكونهما متأرجحتين. ولعل المفارقة الأولى في الانتخابات القادمة بأن كلا المرشحين هما من ولاية نيويورك، السيناتورة هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديموقراطي هي ممثلة الولاية في الكونغرس الأمريكي، ومنافسها دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري هو من عائلة احترفت مجال الأعمال وخصوصاً تجارة العقار والبناء في الولاية الأمريكية الشهيرة.
وبتصور أولي لما سوف تُسفر عنه نتيجة الانتخابات، أُجري استطلاع رأي من قبل معهد غالوب لاستطلاعات الرأي، وجاءت نتيجته بأن هيلاري كلينتون سوف تفوز بما مجموعه 191 مجمعاً انتخابياً، وسيحصد ترامب 163 من هذه المجاميع الانتخابية. وللمعلومية فإن المجمع الانتخابي (Electoral Collage)، هو ممثلو الناخبين عن كل ولاية بحسب عدد ممثليها في مجلس النواب، ويصوتون نيابة عن الناخبين مع التزامهم برغبات الناخبين. وأكثر الولايات الأمريكية في عدد أصوات ممثلي المجاميع الانتخابية هي كاليفورنيا 55 صوتاً، تكساس 38 صوتاً، فلوريدا ونيويورك 29 صوتاً لكل منهما، و20 صوتاً لكل من آلينوي وبنسلفانيا. ويحتاج المرشح للفوز بمنصب الرئاسة ما مجموعه 270 صوتاً من إجمالي 538 صوتاً إحمالي المجاميع الانتخابية لعموم الولايات المتحدة. ومنذ انتخابات عام 2000 ظهر مصطلح جديد في عالم السياسة الأمريكية وهو مصطلح الولايات الزرقاء والولايات الحمراء. ويعني مصطلح الولايات الحمراء بالولايات التي تصوت غالباً للحزب الجمهوري وفي مقدمتها ولاية تكساس وأغلب الولايات الشمالية الغربية ونسبة كبيرة من ولايات وسط الغرب. بينما، يعني مصطلح الولايات الزرقاء، الولايات التي ما تصوت في الغالب للحزب الديموقراطي، ويتزعم هذه الولايات غرباً كل من ولايتي كاليفورنيا مع أختيها ولايتي الغرب واشنطن وآريجون، وشرقاً ولاية نيويورك وأخواتها الصغيرات من أمثال ولايات فيرمونت، نيوجيرسي، كنيتكيت، ديليويير، مريلاند، رود إيلاند ومين. وفي تاريخ الانتخابات كانت وما تزال الولايات المتأرجحة (Swing States)، تلعب دوراً حاسماً في تقرير مصير الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وسيكون دورها في هذه الانتخابات محورياً وجوهرياً في تحديد الفائز بكرسي رئاسة أقوى دول العالم. وتشير التقارير الاستطلاعية بأن هناك ما مجموعه ثلاث عشرة ولاية متأرجحة في الانتخابات الرئاسية القادمة أهمها ولايات فلوريدا، بنسلفانيا، جورجيا وآهايو، بمجموع 83 صوتاً من المجاميع الانتخابية. ولعل ما يميز هذه الولايات بأنها تحتوي على نسبة عالية من ذوي القمصان الزرقاء (Blue Collar)، وهو اصطلاح يعني الطبقة العاملة، وسيكون تصويتها حاسماً لتقرير مصير الانتخابات. بيد أن قرار لمن ستصوت هذه الشريحة سيكون هو أيضاً قراراً صعب التكهن به حيث إن هذه الشريحة تهتم بإعطاء صوتها لمن سيخدمها اقتصادياً في المقام الأول، وسيذهبون لناديق الاقتراع وفي مخيلتهم سجل المرشح الجمهوري ترامب، رجل الأعمال الناجح والمُلم بمشكلات الطبقة العاملة والبارع في الحديث عن مشكلاتها، يقابله سجل هيلاري المستند جملة وتفصيلاً على سجل زوجها الرئيس بيل كلينتون والذي سلم الرئاسة للرئيس جورج بوش الابن بفائض في الميزانية الفيدرالية (Surplus)، والذي بدده الأخير في حربي إفغانستان والعراق والتي بلغت تكاليفهما ما يقارب التريليون دولار، وما زال الاقتصاد الأمريكي يُعاني من تبعاتهما حتى الآن.
مبدئياً، تتمحور قوة ترامب في الطبقة الأمريكية العاملة خصوصاً من البيض الذين سحرهم وما زال ترامب بكلامه عن أهمية استعادة الأمريكيين لقوة بلادهم لمواجهة الأشرار الذين يحيطون بها من كل جانب، ويجيد ترامب هذا النوع من التخويف إجادة تامة تعلمها فيما يبدو من خبرته في عالم صناعة الترفيه التي برع فيها بفنادق باسمة في أتلانتيك سيتي ولاس فيجاس. ومع قوله ذلك فهو لا يختلف عن غالبية الساسة سواء أمريكيين أو غيرهم، فالقانون الميكافيلي هو السائد، فالغاية تبرر الوسيلة. وليس أوضح من ذلك بأن متنافسي الأمس الرئيس أوباما وهيلاري وزيرة خارجيته لاحقاً تبادلا الشتائم بينهما علناً خلال حملة ترشيح الحزب الديموقراطي للانتخابات 2008 الرئاسية والتي فاز بها الرئيس أوباما. ونعته هيلاري بالكذب والتضليل فيما يخص أراءها حول الإصلاحات المتعلقة بالتأمين الصحي واتفاقية نافاتا للتجارة الحرة بين أمريكا وكل من كندا والمكسيك، وأطلقت صيحتها الشهيرة «العار عليك يا آوباما، Shame on you Obama» خلال تجمع انتخابي لمناصيريها بمدينة سنسناياتي بولاية آوهايو، ليرد الرئيس أوباما عليها بدوره» العار عليك يا هيلاري Shame on Hillary» مفنداً ادعاءها. وسوف يستفيد ترامب كذلك من الانقسام الحاد بين مؤيدي الحزب الديموقراطي ذوي الميول اليسارية والذين ساءهم فشل حصول مرشحهم بيرني ساندرز منافس هيلاري بترشيح الحزب، ولم تنفع نداءاته بالوحدة والتكاتف ووصفه بأن فوز ترامب سيكون كارثة للولايات المتحدة، في ثني مؤيديه من انتقاد ترشيح الحزب لهيلاري. وتكمن أوراق قوة هيلاري كلينتون في ثلاث فئات انتخابية هي النساء اللاتي يرين في وصولها إلى سدة البيت الأبيض نصراً لكفاح المرأة الأمريكية، وإن كانت هذه الفئة بدأ ينحصر تأثيرها في الحياة الأمريكية بانحصار الأفكار التحررية وإن كان التأثير ما زال موجوداً، فئة الأقليات خصوصاً الأمريكيين من أصول لاتينية (Hispanic) والعرب وخصوصاً المسلمين منهم والذين تعرض لهم ترامب بانتقادات حادة خلال حملته الانتخابية، ولن تكون هذه الفئة مؤثرة كثيراً في نتيجة الولايات المتأرجحة والمصيرية للفوز باستثناء فلوريدا التي تسكنها نسبة عالية من الأمريكيين من أصول لاتينية، وستكون فئة المثقفين (Academia) داعمة بصوتها ونفوذها لهيلاري كونهم يرون بأن فوز ترامب ذي النزعة الشوفونية سيكون أمراً كارثياً للولايات المتحدة.
ومن هنا وحتى يوم الثلاثاء الثامن من نوفمبر (حوالي ثلاثة اشهر)، ستزخر وسائل الإعلام الأمريكية بكم هائل من القيل والقال ومن تشوية السمعة بين المرشحين (Smearing) وبث سيئات كل مرشح من قبل خصمه (Character Assassination)، ولقد بدأ الأمر بمؤتمري الحزبين، فقد قال ترامب عن هيلاري «إن إرث هيلاري كلينتون هو الموت والخراب والإرهاب والضعف»، وقالت هيلاري عن ترامب «تصوروه في المكتب البيضاوي ويواجه أزمة حقيقية. إن رجلاً مثله يمكن غوايته بتغريدة لا يمكن الوثوق به على الأسلحة النووية».!!!