لبنى الخميس
لأنها تجسد في 90 دقيقة ما قد يمر به الإنسان في حياة طولها 60 عاماً.. تحقيق هدف وإضاعة آخر.. الاقتراب من المرمى.. التوقف للتصويب.. ومن ثم الارتطام بالعارضة.. خيبة أمل تكبر.. ثم تخبو مع بزوغ أمل جديدة في هجمة واعدة مدفوعة بالحماس والإصرار على تعديل وضعية التصويب.. وضرب الكرة في زاوية جديدة.. لتحقيق انتصار بهي وفوز لذيذ.. والاستماع إلى جنون الجماهير وهي ترقص فرحاً ونصراً في المدرجات.
لماذا يتعاطف الجماهير مع أبطال الساحرة المستديرة رغم أنهم يغادرون المستطيل الأخضر بخسارة مريرة أحياناً ؟
لأنهم يجسدون صراعهم في مستطيل آخر يدعونه «الحياة» كفاح الوقوع.. وعزم النهوض.. ألم التعثر.. وأمل الانتفاضة.. فرص تضيع.. وأخرى تكشف النقاب عن نفسها.. جموع تقفز بوجهها الملونة.. وأعلامها المرفرفة.. وأخرى في الجانب الآخر من المدرجات.. تختبئ خلف مرارة هدف معاكس أخرس أصواتها ودمر آلامها ودفن أحلامها.. وما هي إلا دقائق حتى تستجمع قواها بعد أن تنتفض غريزة البقاء في نفوسها.. لتقف وتصفق وترفع أهازيج الدعم.. وتراتيل النصر.. هو بالضبط ما نواجهه في مسرح الحياة الكبير.. في قلب صغير يختزل ملاعب الدنيا.. ويضم جماهير العالم.. ويروي قصة دموع مريرة.. تعقبها ابتسامات ملهمة.. وحصاد مدهش.
كرة القدم ليست لعبة جماهيرية عمياء.. وبطولات تملئ رزنامة العام.. تداعب ضجر البشرية وتخرس أوجاعها..
إنها سيمفونية الحياة.. بنوتاتها الناشرة.. وإيقاعاتها المدهشة.. ورقص الجماهير حولها.. فرحاً وحزناً.. انتصاراً وهزيمة.. جنونها يختزل حكمتنا.. وحكمتنا تصنع جنونها.
كرة القدم ميدان خصب لعلماء النفس وباحثي علم الاجتماع ليراقبوا عن كثب كيف ننهض.. وكيف ننكسر.. من أي فضاءات نقلع.. وفي أي نفق نفسي نختبئ. فهل نقرأ في دقائقها أجمل سطور الإرادة.. وأروع عبر العزيمة البشرية؟