قد تستغرب إذا قلت لك أن للضحك أوجهاً تعد في غاية السخافة، وقد تسبب العداوات والمشاكل والأضرار في العلاقات الاجتماعية. أنا كتبت وقرأت الكثير في فوائد الضحك، ولكنني اعتدت أن أرى في كل شيء أوجهه المتعددة، وليس من باب التظاهر بالتذاكي في إظهار القدرة على الإقناع بالشيء ونقيضه ولكن لكل شيء وجهاً خفياً ينبغي الكشف عنه من باب الأمانة المعرفية والأخلاقية. على سبيل المثال ليس هناك أجمل من التدين الصحيح، لكن للتدين وجهاً مخيفاً يظهر في التطرف والإرهاب. كذلك الأمر بالنسبة للضحك. سأحكي لك مثالاً بسيطاً: يقابلنا بوجه مبتسم، يسمعنا نغمات ضحكاته، لكننا لا نقابله إلا بالسخط والغضب. فلماذا؟ لأن ضحكاته كانت سخرية أو ازدراءً. لذلك الضحك قد يزين الوجوه ويجعلها أكثر جمالاً، ولكن في حالات كثيرة قد يجعلها أكثر قبحاً وسخافةً، فللضحك عدة أوجه ينبغي معرفتها للتعامل معها أو الانصراف عنها.
أوجه الضحك وأنواعه كثيرة جداً أكثر مما يتصور، منها الجميل ومنها السخيف. من بعض أنواع الضحك الجميل: ضحك السرور والرضا، وضحك المزاح والطرب، وضحك العجب والإعجاب، وضحك العطف والمودة وضحك المفاجأة ... ألا ترى كيف تعددت أوجه الضحك. في المقابل للأسف أوجه سلبية، مثل: ضحك السخرية والازدراء، وضحك السفه، وضحك البلاهة، وضحك الزهو والغرور بالنفس، وضحك احتقار الآخرين، هناك ضحك من عيوب الآخرين وآلامهم. لذا فلنبتعد من الوجوه السخيفة بعيداً.
الأوجه التي قد تبدو جميلة ضاحكة لكنها في الحقيقة في حالات ما لا تكون جميلة أبداً. الضحك للمزاح والسرور إنه شيء جيد لكن الضحك والمزاح في غير موضعه أو غير مبرر يبدو سخيفاً. في مثل حالة الضحك في غير موضعه: عند طرح نكت في مناقشات جدية في العمل يمكن أن يسبب عدم ثقة بين الأعضاء، في اجتماع العمل ومع مناقشة قضية خطيرة تمس مباشرة مصلحة العمّال ومعيشتهم أو سلامة العمّال مثلاً ثم يجعل مدير الجلسة من الاجتماع مسرحية هزلية يسودها الاستهزاء في أمور جادة مما يدل على عدم الشعور بالمسؤولية بهموم الموظفين. مثال آخر أكثر وضوحاً، الضحك في أماكن الحزن والمواساة يشعر الآخرين بالاستياء للفرح والسرور على أحزانهم. لذا هناك مناسبات ليست مناسبة للضحك وهو في غير موضعه. وقد يكون الضحك في موضعه لكنه غير مبرر، فهو قد يشعر الآخرين بأنه يستهزأ بهم، كما قيل: «الضحك بلا سبب قلة أدب». لذا فإن الضحك في غير موضعه أو غير المبرر غير ملائم ولا يتسق مع الآداب والذوق السليم.
من الأوجه القبيحة للضحك ضحك السفه والبلاهة. وجه السخافة ضحك السخرية من البسطاء والمساكين، قد يشعر بالسرور المؤقت على حسابهم. مِثلُ هذا الضحك قد يجعله مسروراً لكنه يخلق له العداوات ويبعد عنه الأصدقاء. ضحك السفاهة هو ما يكون سببه يتنافى مع الأخلاق الرفيعة، كالسخرية من الآخرين والاستهزاء بهم. أما ضحك البلاهة فعندما يجعل نفسه أضحوكة، مما يدل على البلاهة والحمق لكي يضحك الآخرين. إن لضحك البلاهة أثراً سلبياً عند الاستمرار عليه بحيث يزدريه الناس، ويقلل احترامهم له. لذا ينبغي الحذر من ضحك الاستهزاء بالآخرين وكذلك النفس في العلاقات الاجتماعية.
حقيقة أن ضحك الاستهزاء قد يفسد العلاقات الاجتماعية، لكن من جانب آخر ثمة ضحك يقوي العلاقات الاجتماعية كضحك الاستلطاف الذي يساعد على نزع فتيل المجادلات ويشجع على تقوية الروابط كفريق. والتفاعل بالضحك يجذب الأصدقاء لأن الناس تستمتع بالتحدث وسرد الطرائف كثيراً لمن يبادلها التفاعل والضحك. من لا يتفاعل ضاحكاً إلا في حالات نادرة فإنه سيبعد الأصدقاء والضحك عنه. من العلاقات الاجتماعية أيضا العلاقات الزوجية، حيث بيّنت البحوث أن الأزواج الذين يضحكون ويبتسمون عند مناقشة موضوع حساس يشعرون بشكل أفضل ورضا أكثر في استمرار الحوار. وفي إطار أوسع للعلاقات الاجتماعية يمكن لضحك الفكاهة والاستطراف بأن يسمح لك بأن تكون أكثر عفوية، ويزيد من قدرتك على التحدث مع الآخرين بلباقة ويساعد على نسيان الانتقادات والشكوك. إن ضحك الاستلطاف في إطار التفاعل الاجتماعي يبين النوايا الحسنة للإنسان، وهو إشارة إلى قبول الفرد للتفاعل الإيجابي المحبب للنفوس.
الضحك للنفوس كالدواء الإفراط فيه داءٌ خطير. الضحك دواء للصحة الجسمية والنفسية بينما الإفراط في الضحك كما قيل: «كثرة الضحك تميت القلب». إن سلبيات الإكثار من الضحك تؤدي إلى عدم انتظام ضربات القلب، وفي حالات نادرة تسارع ضربات القلب تؤدي إلى عدم انتظام ضربات القلب، وفي حالات نادرة أدى تسارع ضربات القلب إلى الوفاة وقانا الله من كل مكروه، في حالات بسيطة الضحك يؤدي إلى الصداع، وفي حالات خطرة قد يؤدي إلى الإغماء وفقد الإنسان وعيه. على أية حال، الضحك مثله مثل أي شيء، الإفراط فيه خطر حتى شرب الماء. الدواء مثلا يستمد منه الإنسان علاجه وصحته، لكن أخذ جرعات مفرطة تؤدي إلى ما يُسمّى بالتسمم الدوائي. الضحك المعتدل كدواء له فوائده الصحية لا يمكن تجاهلها فهو يحمي ويمنع أمراض القلب.
الضحك يحسّن وظائف الأوعية الدموية ويزيد من تدفق الدم، يمكن أن يساعد على الحماية من النوبات القلبية والمشاكل الصحية الجسدية.
من الناحية الصحية النفسية فإن الضحك دواء قوي يساعد على تقليل التوتر وتبديد الغضب وتخفيف مشاعر القلق والخوف وغيرها من المشاعر السلبية.
وقد ثبت علمياً أن الضحك يزيد من المواد الكيمائية في الدماغ التي تساعد على تقليل المشاعر السلبية مثل: الإجهاد والخوف والغضب والقلق والاكتئاب، وتساعد على زيادة المشاعر الإيجابية، وتحسين المزاج، وتعزيز الشعور بالبهجة والحماس للحياة.
لذلك فإن الضحك ترياق قوي لمعالجة المشاعر السلبية، والضغوط النفسية، ولا شيء أسرع وأنجع من الضحك يعيد لك البهجة والسرور والسعادة.
العبرة المستفادة من النقاش السابق بأن للضحك وجهاً سخيفاً ووجهاً حصيفاً.
وأن الضحك يُعدُّ البلسم الشافي في جميل المبسم والإحساس الصافي، ويتطلب مهارة وفناً على التمييز الكافي لأنواع الضحك، وتحديد متى وكيف نضحك. لذا الضحك الحصيف فنٌّ قلَّ من يجيده.