محمد آل الشيخ
على قناة الجزيرة (الإخوانية)، وبشكل على ما يبدو حصريًا، وبالصوت والصورة، أعلنت (جبهة النصرة)، المنظمة المصنفة عالميًا أنها منظمة إرهابية، بأن اسمها قد تغير، وفكّت ارتباطها بمنظمة (القاعدة). وقد أعلنت الولايات المتحدة وروسيا أن (لعب العيال) هذا لن يغير من الأمر شيئًا، فستبقى هذه المنظمة تحت أي مسمى منظمة إرهابية، سواء استقلت عن القاعدة أم بقيت مرتبطة بها؛ غير أن الخبر بحد ذاته يظهر قدرًا من (التذاكي الساذج)، كما هو شأن المتأسلمين، بجميع فصائلهم، وهذا الخبر ذكّرني بمثل أمريكي يقول: (البقرة ستبقى بقرة حتى وإن استخدمت أحمر الشفاه). وبقدر ما كان الخبر مكشوفًا ولا يمكن أن يمر حتى على الأطفال، فكيف يريدونه أن يمر على دول التحالف ضد الإرهاب، وهذه الحادثة - بالمناسبة - تأكَّد ما كنت أقوله وأكرره، ومؤدَاه: إن شرط الضرورة (للمتأسلم الجهادي)، قادة وأفرادًا، كي يلتحق بعصابات الميليشيات المتأسلمة الإرهابية، أن يكون على قدر متدنٍ من الذكاء إذا لم يكن كامل الغباء بامتياز. فالإرهابي المتأسلم الذي يؤمن أن العمليات الإرهابية ستحقق له طموحات وهمه الكبير (دولة الخلافة)، ويعتقد أنه سيحققها بكلاشينكوف وحزام ناسف وعربة ذات دفع رباعي، لا يمكن أن يكون إلا مُغفل. كما أن الانتحاري الذي يخالف قوله تعالى {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ان اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، ويتبع قول القرضاوي بخلاف النص القرآني، ويسعى للموت بقدميه، فهو بذلك ليس مغفلاً فحسب -، وإنما مضطرب نفسيًا أيضًا.
قال صاحبي: (طالما أنهم على الأقل تعقلنوا وتركوا عنهم انتظار الملائكة تأتي على خيول بيضاء لنصرتهم، كما كان يروج كاهنهم الهالك «عبدالله عزام»، فهذا يدل على أنهم بدؤوا يتغيرون ولو بنسبة 5 في المائة ؛ فلا نريد منهم إلا (تشغيل) عقولهم التي عطلوها منذ أن ضربت الصحوة أطنابها في مضارب بني يعرب. وأضاف: أنا على يقين أنهم لو اتكأوا على العقول، وتركوا النقول، لجردوا بشار ونظامه، ومعه نظام الملالي وميليشياتهم، من أهم أوراقهم التي يعتمدون عليها في الصمود والمقومة والبقاء. قلت: بالرغم من أن هذا التصرف، الذي تعتبره ولو بقدر ضئيل عقليًا وحيليًا، فالحيلي يُفعل على الأقل ما بين كتفيه المعطل منذ أن تأسلم، إلا أنك يجب إلا تنسى أن بُنية تفكير المتأسلم تقوم وتتكىء على تهميش العقل، واستيراد مقولات فقهية وحوادث تاريخية، من الماضي السحيق، ويعتقدون أن هذه الممارسة الغبية وغير العقلانية هي (بالقوة) صالحة لكل زمان ومكان، ولو أنهم تخلوا عن تغييب العقل لحل العالم المعاصر مشكلته معهم. فوجود المتأسلم العقلاني ضرب من ضروب المستحيل.
وهناك من ذهب إلى أن جبهة النصرة أرادت من تغيير الاسم والتبرؤ من القاعدة تأهيل نفسها لأن تكون طرفًا مقبولاً في المفاوصات السياسية، وخصوصًا أن المجتمع الدولي جاد مؤخرًا في التخلص من الحركات الإرهابية مهما كان الثمن؛ وبالتالي فإن إصرارها على أنها فرع للقاعدة في بلاد الشام، سيضيّق عليها هامش المناورة والدخول في العملية السياسية كفصيل إسلامي فضلاً عن أنها منيت بخسائر كبيرة في معركتها مع النظام في حلب.
ومهما يكن الأمر فإن المتأسلمين الجهاديين معروف عنهم أنهم لا يفون بعهودهم، ودائمًا ما يقلبون لحلفائهم ظهر المجن، خاصة إذا اتخذوا خطوة لا تتماهى مع أيدلوجياتهم.
إلى اللقاء..