إعداد - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ«الجزيرة»
تسير رؤية المملكة 2030، قدماً في طريق التنويع الاقتصادي بعيداً عن المورد النفطي الأوحد، لخلق بدائل تنموية حقيقية بعيدة عن الإيراد الريعي. ويمكن اعتبار «تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة» أفضل بديل متاح للانطلاق في هذا التنويع.. والجدير بالذكر، أن مسيرة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة قد بدأت منذ التسعينات، وبتفاعل ودعم العديد من الأطراف الرسمية والمجتمعية، من أهمها وزارت العمل والتنمية الاجتماعية، الداخلية، المالية، الاقتصاد والتخطيط إضافة إلى مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما»، فضلاً عن بنك التسليف والادخار، صندوق المئوية، برنامج كفالة، والغرف التجارية.. ويمكن وضع بنك التسليف والادخار على رأس قائمة المحتضنين للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
ويتطلب دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، تعزيز ثقافة العمل الحر أولاً، وارتياد الأعمال ثانياً.. وبالتالي فإن هناك جزءاً أصيلاً يسبق حاجة الشاب أو الشابة للتمويل.. البعض يعتقد أن كل الاحتياج محصور في رأس مال فقط، والحقيقة أن الشباب يفتقر لمساعدات غير تمويلية توازي احتياجهم لرأس المال.
وإذا تفحصنا أهداف بنك التسليف والادخار، فهي أربعة:
1. تقديم قروض بدون فوائد للمنشآت الصغيرة والناشئة ولأصحاب الحرف والمهن.
2. تقديم قروض اجتماعية بدون فوائد لذوي الدخول المحدودة من المواطنين.
3 . القيام بدور المنسق المكمل لرعاية قطاع المنشآت الصغيرة والناشئة.
4. العمل على تشجيع التوفير والادخار للأفراد والمؤسسات في المملكة.
وخلال الـ 25 عاماً الأخيرة (1990- 2014) ضخ بنك التسليف والادخار حوالي 162 مليار ريال لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أو لدعم شباب الأعمال .. حتى عام 2003م لم تكن قروض البنك المنصرفة سنويا تتجاوز قيمة المليار ريال، إلا إنها قفزت إلى مستويات 36 مليار ريال في عام 2014 .. وفي اعتقاد وحدة الأبحاث الاقتصادية بـ»الجزيرة»، فإن الحكومة بحاجة للتفكير في رفع وزيادة هذا الرقم ليناهز الـ 100 مليار ريال سنوياً، لدعم مبادرات شباب الأعمال وتوجهاتهم للعمل الحر.. نعم، أحياناً تكون نسبة النجاح ليست 100 %، ولكن كل زيادة في قروض بنك التسليف تسهل الخيار التنموي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بالمملكة.
وبناءً عليه، فإذا افترضنا أن نسبة معينة (بحدود الثلث) من قروض البنك هي لأهداف اجتماعية، وأن متوسط الإقراض 100 ألف ريال، فتكون النتيجة أن البنك قد ساهم في إنشاء ما يناهز المليون مشروع خلال الـ 25 عاماً الأخيرة فقط.. وهو إنجاز ليس بالهين.
لكن ينبغي تذكر أنه خلال التسعينات والعقد التالي لها، لم تكن المشروعات الصغيرة والمتوسطة خياراً إستراتيجياً كما هو الآن بالمملكة.. لذلك، فإن حجم الدعم الحكومي الموجه عبر بنك التسليف والادخار بحاجة إلى أن يتضاعف.. كما يجب تركيز مبادرات ريادة الأعمال بشكل واضح داخل نطاقه.. ولنقل بوضوح أن البنك هو الراعي الحكومي والمحتضن الأول لريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وتقترح وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ»الجزيرة»، فصل الشق الاقتصادي الخاص بريادة الأعمال بالبنك عن نظيره الاجتماعي.. وإن كنا نقترح إخراج الجزء الاجتماعي داخل منظومة مختلفة للدعم والإقراض.. وذلك حتى يتفرغ بنك التسليف للإقراض الإنتاجي.
دعم المشاريع متناهية الصغر ضمن منظومة الإقراض الاجتماعي
بنك التسليف والادخار، يدعم اجتماعياً الأسر المنتجة كقروض إنتاجية، وهذا الجزء نقترح إدراجه ضمن إقراض متناهي الصغر على أن يكون تحت بند الإقراض الاجتماعي.. لأنه إقراض يحتاج لدعم أو نظرة اجتماعية ولا يجب تطبيق المعايير الإنتاجية أو الاقتصادية عليه.
وينبغي معرفة أن الإقراض متناهي الصغر هو إقراض غير تنموي بالشكل المتعارف عليه، لأن المشاريع المتناهية الصغر غالباً توظف صاحبها فقط، كما أن حجم القيمة المضافة فيها غالباً ما تكون ضئيلة.. فالتنمية الاقتصادية تقوم على المشاريع الصغيرة والمتوسطة أكثر منها مشاريع متناهية الصغر.
التحفظ على إقراض أصحاب الملاءة
بنك التسليف، يهدف رئيسياً إلى دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والناشئة منها بشكل جوهري وليس كل المشروعات. لذلك، تشير الممارسات إلى أن اشتراطات البنك وخاصة فيما يتعلق بتشديد الضمانات كطلب ضامن أو ممتلكات، تسببت في أن جزء هاما من القروض بات يتجه لأصحاب الملاءة المالية والذين هم في غير حاجة حقيقية لها، بل يحرم أصحاب الحاجة منها وتقل فرصهم في الحصول عليها.
أما التحفظ الثاني، فهو أن البنك يدعم المشاريع القائمة بشكل يفوق المشاريع الناشئة، وذلك بدعوى أن المشاريع القائمة لها ميزانيات قائمة ويمكن التأكد من فرص نجاحها.. إلا أن ذلك يبتعد بالبنك عن مساره الرئيسي وهو المساهمة في دعم توجهات ريادة الأعمال وخلق مشروعات جديدة كبديل تنموي حقيقي عن التركز النفطي.. لذلك، فإننا ندعو البنك للنظر في تحمّل مخاطر المشاريع الناشئة وتقليص دعم القائمة.. وإن كنا نرى أن يحتفظ بمساره في دعم المشاريع الجديدة بالدرجة الأولى.
الخدمات غير التمويلية مطلب عام للشباب
رغم أن الخدمات غير التمويلية يقوم بها العديد من الأطراف المجتمعية كالغرف التجارية، إلا أنها في حاجة لأن يلعب بنك التسليف والادخار دوراً في تقديمها للشباب، لأنها لا تزال تمثّل عائقاً رئيسياً أمام ارتياد الأعمال.. فماذا يفعل؟ وما هو المشروع الأنسب له؟ وكيف يصنع دراسة جدوى؟ أسئلة تشكل عوائقا حقيقية أمام كل الشباب.. وربما النصائح بالغرف التجارية لا تزال لا تغني عن الطلبات التي يفاجئ بها الشباب عند تقدمهم للحصول على قرض من بنك التسليف، وخاصة فيما يخص دراسة الجدوى وهو المطلب الذي يتكلف كل شاب قيمة مالية للحصول عليه، وهو لا يعلم هل سيحصل على قرضه من البنك أم لا... نحتاج أن يتحمّل بنك التسليف قدراً من المخاطرة للتخفيف عن الشباب وتشجيع ارتيادهم للأعمال.