سام الغُباري
- لم يقف صحفي واحد في طول اليمن وعرضها مع الرئيس عبدربه منصور هادي، وصار من الغريب أن تثار حولي أسئلة مُـعلَّبة تتهمني بالتزلف لرئيس لا يعرفني، ولا أريد منه شيئاً إلَّا أن يكون رئيساً حقيقياً، فأنا اليوم أشعر بالذنب لأنيِّ بلا وطن، أكتب ولا أجد صحيفة يمنية تنشر ما أقول، ولو لم تكن لنا منصات مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي، لصرت وغيري من الصحفيين كالمجانين الذين يحدِّثون أنفسهم!.
- قد يكون الرئيس الذي يقاتل لإعادة الدولة مُـكبَّلاً منذ اليوم الأول الذي أقسم فيه أمام البرلمان على رعاية مصالح الشعب والحفاظ على النظام الجمهوري، وقد يكون «متسرعاً» في القضاء على مراكز القوى التقليدية، إلا أنه كان مخترقاً من «الدولة العميقة»، فالقرارت التي كان يصدرها تصل إلى صفحات فيس بوك قبل أن تنشرها وكالة سبأ، حواراته كانت مُسجَّلة، هاتفه مراقب، وأمامه كُـتل التغيير القادمة من الشارع وهي تفور بحثاً عن الدولة التي توهمت أنها تنتظرها!، وفوقها الأحزاب الضامئة لسلطة حرمها «صالح» طيلة 33 عاماً، وقبلها عائلة الرئيس السابق التي كانت تتحكم في مفاصل الدولة من الجيش إلى المخابرات والأمن، والاقتصاد والطيران، والسياحة، ووجدت أن المبادرة الخليجية قد تمثل لها فرصة للعبور على جسر الرئيس الجديد للعودة من الباب الخلفي!
- لم يجد «هادي» دعماً داخلياً حقيقياً لإرساء مبادئ الدولة، أصدر قراراته العاصفة بتغيير قيادات الجيش، فكانت كل الكُتل الموازية داخل الدولة تحشد لإضعافه كي تنال نصيبها من «الغنيمة»، الجميع كان يرى أن له الفضل في صعود الرجل، ومازلنا نتذكر جيداً الغضب الكبير لقراره في تعيين الزميل معاذ بجاش وكيلاً لجهاز الرقابة، مما اضطره إلى التراجع عن ذلك اتقاءً لشر الغاضبين الانتهازيين، كان الإصلاح ومعه أحزاب اللقاء المشترك يرون أن أي قرار يصدر بتعيين أحد أعضاء المؤتمر الشعبي العام خيانة لثورتهم!، فيكثفون من ضغوطهم على الرئيس لإصدار قرارات موازية لنخبتهم، والعكس من ذلك.
- لم تكن حكومة باسندوة حكومته التي يسيطر عليها، ونتذكر أن رئيس الوزراء الأسبق حين أراد تقديم استقالته قال إنه سيقدمها للمجلس الوطني المعارضة الذي اختاره لهذا المنصب!، تعاملت النخب مع الدولة كغنيمة، وجعلت من حواضنها الحزبية هي الدولة التي يخلصون لأجلها، وكانوا يرون في «هادي» ذلك القائم على تصريف الحصص بالقدر الذي لا يُغضب طرفاً على آخر،ودائماً ما كانوا يذكّرونه بأنه الرئيس التوافقي!، وينشرون وعده بالرحيل بعد عامين وتسليم السلطة لرئيس جديد!، غير أنهم اليوم يرون في سلطة الحوثيين الغاصبة وهي تمسح كرامتهم على رصيف الشوارع، وتجرف وظائفهم، وتفجر منازلهم وتقود حرباً مهووسة على اليمنيين حلفاً طيباً وعملاً صالحاً، وأما الرئيس المنتخب فقد صار في نظرهم شيطاناً مريداً!.
- قبائل الطوق المغرور التي تحيط بالعاصمة صنعاء ما تزال تعتقد أن الحُكم والسلطة على العاصمة حقاً مشاعاً لها، شأنها شأن قبائل الطوق المحيطة بعدن، يخسر المدنيون هنا وهناك، وتجتاح القبيلة العصبية لغة الدولة وتكمم أفواه الأحزاب، وتدمر الدولة وهي تبحث عن حقها ونصيبها من الكعكة!
- الاعتقاد السائد بأن على هادي عدم ممارسته لصلاحياته الدستورية الكاملة هي التي دفعت اللاعبين الخطرين إلى التراجع قليلاً والسماح له بالمشاركة في الحُكم حتى إلى عودتهم بشهوة طامعة، وبربرية منعته من أن يكون الرئيس فعلاً، كانت توكل كرمان تعتقد أن انتخاب هادي «مؤامرة خليجية»، بينما ترى قوى الربيع العربي في المبادرة الخليجية إنقاذاً منافقاً للرئيس السابق، وفي الجنوب أحرقت مجاميع الحراك الغريبة صناديق الاقتراع، ومنعت الناس من انتخابه!، ووسط كل هذه الحمم الانتهازية، استمر ماراثون مفاوضات إزاحة قيادات الصف الأول من الجيش تحت ضغط تهديد العقوبات الدولية، وراج أمر خيانة الرئيس للقوات المسلحة بعد موافقته على الهيكلة التي كانت مطلباً أساسياً للأطراف الموقعة على المبادرة، فإعادة بناء القوات المسلحة على أسس أخرى، كانت خيانة في نظر سُلطة صنعاء لأنها أزاحتهم، غير أن سيطرة اللجان الحوثية الميليشياوية على الجيش وقتل الجنود وتجريف المناطق العسكرية والاستيلاء على السلاح والصواريخ لم يكن في نظرهم إلا عملاً صالحاً يؤجرون عليه!!.
- وصل الأمر إلى ذروته مع انقضاء العامين التي كنت أرى - شخصياً - أنه يجب تجديدها بالعودة إلى الشعب مرة أخرى، غير أن توافق القوى السياسية على الرئيس مرة أخرى وإدخال اليمن في إجراءات البند السابع للأمم المتحدة وفرض العقوبات الدولية على الرئيس السابق ونجله، وقيادات من الصف الأول للحوثيين، دفعت المحكوم عليهم للتحالف من أجل هدم الدولة، واستعادة ما قالوا أنه حقهم، صالح يرى أنه اليمن بتركيبتها الحالية ضرورة لإبقائه وعائلته متصدرين للمشروع السياسي والوطني، اختُطف مدير مكتب الرئيس مع نسخة الدستور الجديد التي تحدُّ من عودة نجل «صالح» أو عائلته إلى الحُكم، فيما يرى الحوثيون أن البشر الذين يعيشون في اليمن حقهم، ليس البشر وحسب، بل أرزاقهم وحياتهم ومصادرهم وبيوتهم وصلاتهم وحتى تقربهم إلى الله يجب أن يمر عبرهم فقط.. فكرة الولاية الكهنوتية أو الحاشدية على اليمن فكرة قديمة ناء بحملها من جاء من خارج تلك التركيبة الجغرافية، فتجرع الويلات والحروب والكوارث التي تمددت بدورها على أنحاء الوطن كافة.
- تزاوج التوريث الصالحي مع الوراثة الحوثية، أنتج كائناً قبيحاً أزاح عناصر الدولة والجيش والأمن، وأباح صنعاء للقبائل الحوثية - المتحوثة كما فعل الإمام «أحمد» مع عاصمة اليمن التي وجد أنها تُختطف من يده، فعاد بثوب والده المثقوب لاستجداء القبائل، وتثويرها على النظام الدستوري الجديد، كما فعل «صالح» مع حروقه وآلامه في جامع النهدين، استغلال المواجع الشخصية للانتقام لم تبنِ الدول بل وسّعت الثورات والاضطرابات وهدمت قوى الحكم ونشرت الجهل وقضت على أحلام الرجال لعقود طويلة، ذلك ما رأيناه مع الإمامين «أحمد حميد الدين وعلي عبدالله صالح»، ربما أن اتساع التربية الصلبة لذلك العهد المتخلف أنتج رأساً صلباً يأبى أن يموت!
- هادي يمثل مرحلة الزعيم الراحل عبدالله السلال الذي خانته قوى الثورة بالتصالح مع الإماميين، وأزاحته قبل أن يُكمل مشواره العسكري الحاسم في القضاء على بؤر الكهنوت السلالي الإرهابي، وجاءت بمن قادوا الحروب الظلامية على اليمنيين طيلة قرون لإعادة تموضعهم، إلا أنهم اليوم خسروا كثيراً في ظل الصورة والمعلومة والإعلام، ويجب ألَّا نسمح لهم بتزييف ذاكرتنا القريبة، ففي الشبكة العنكبوتية ما يرصد مواقف الصراع منذ اللحظة الأولى، كل شيء موثق بالصوت والصورة .. نداءات الرئيس الذي أصر على بناء دولة وتحطيم أصنام قريش وتوسيع قاعدة الحكم من المركزية الأنانية إلى توسيع الصلاحيات والإدارات والمعارف، غير أنها التحالفات الملعونة أعادت إحياء الموتى والأرواح الشريرة والشياطين وكهنة أبي لهب للقضاء على أحلام الجميع في الوصول إلى أعلى المناصب وبناء الاقتصاديات وتعزيز التنمية دون أن يكون التقرب من أنجال الرؤساء ضرورة انتهازية للوصول إلى حُلم التمكن والتمكين.
- اليمن ليست لكم، إنها لي ولنا، للفلاَّح المقهور، للبائع البسيط، للمغترب الذي لم يجد فرصة للعيش الكريم في وطنه، للفقراء الذين يحتشدون على أبواب العوز والحاجة، إنها لملايين الشباب الذين يحتاجون الرعاية والفرصة لتحقيق أحلامهم، وليست لهادي أيضاً، ولا لنائبه أو وزرائه. غير أني وأنت وكلُّنا، جميعنا ملزمون بالتضحية، بتوسيع قلوبنا ومجالسنا، ومقراتنا، وبيوتنا، باستيعاب اليمنيين تحت مظلة الدولة التي يمثلها اليوم فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي، وسأستمر في دعمه ما فتئ يحمل السيف محارباً حتى يسقط الكهنوت والانقلاب، لن أخونه ما دام قلبه مُعلَّقٌ بصنعاء، وعينه على جبل مران، حينها ستهتف السماء، لمن «اليمن» اليوم ؟، وسيرتد الجواب: للشعب المناضل الجبار! .. والله أكبر.
- .. وإلى لقاء يتجدد