د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
يزخر موضوع قبول الطلاب في الجامعات بامتلاء وحضور, وفي هذا الموضوع الذي بسطه الواقع الحالي نؤمن بأن ثوب القبول ما زال متسعاً على راقعيّ الجامعات, وأن سياسات القبول مغيَّبة عن مجتمعات المواطنين, فالإجراءات ذاتها بدءاً من التقديم الإلكتروني إلى أن يستقر ملفات الطلاب في أروقة القبول، ولكن «ليسوا سواء»؛ فالطلاب ما زالوا يضربون في المجاهل, وما زال القلق ينهش هدوء كثير من الأسر, فقد أحرج واقع القبول المواطنين, وأفرز جملة من العثرات الجديدة على السطح؛ ناهيك عن السباق المحموم نحو الفوز بإحدى ثغرات النظام الهش ممن هجرتهم منصات القبول الإلكترونية وهم كثير؛ ومما يذهلنا ما يدور وما يشاع أن هناك ملفات خضراء باهتة تنسل من خلف الكواليس, وما تلبث أن تتربع على خشبة المسرح. ثم إنه من العجب أيضاً انشقاق الجامعات عن بعضها ونأيها عن مصلحة الطلاب عندما تغلق نوافذ القبول أمامهم فيما يرغبون ويسعدون به تعلماً ومهنة مستقبل؛ ثم تحيلهم إلى أخرى لا يرغبونها إنما جاءت وفق النظام العجيب الذي يلزم الطلاب أن يسجلوا رغبات تتعدى خمس عشرة رغبة وتصل إلى أعلى من ذلك في بعض المسارات! وهذا القسر التنظيمي يجب أن لا يسمى رغبات، لأن الفطرة الإنسانية لا يمكن أن تتعدد رغباتها في شأن واحد إلا في حدود المجال ذاته، يقول الحكيم الخبير {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} (الاحزاب آية 4)، ويبدو أن أولئك المقبولين في غير ما يألفون أوسع حظاً ممن «أخرجوا من ديارهم», وفي هذا العام علت المشكلة واشتد ضجيجها, وذلكم ما يُتفق عليه بأنه ناتج عن عدم كفاءة في التخطيط لذلك الشأن الأساس من مهام الجامعات, وكنا نأمل هذا العام بعد أن اختمر الدمج بين التعليم العام والعالي أن تصنع خطة دقيقة للقبول في الجامعات منذ بداية العام الدراسي الحالي تعتمد على المعلومات الدقيقة لأعداد الطلاب في الثانوية العامة في كل النطاقات الجغرافية, وعلى مؤشرات أداء الطلاب في اختبارات القياس والقدرات العامة في الصف الثاني الثانوي وعلى النسب التراكمية في محصلة الصف الثاني الثانوي, وكل ذلك حزمة من المعلومات تنبئ عن المستوى العام للطلاب الذي سوف يكونون عليه في نهاية المرحلة الثانوية، ومن تلك المعلومات نتوصل للنسب التراكمية المتوقع حصول فئات الطلاب عليها في جميع مسارات الدراسة في نهاية المرحلة الثانوية, وغالباً ما يكون وضع الطلاب في علو إلقليلاً منهم, وعند ذاك يأتي دور الجامعات في هندسة تلك المعلومات إلى حوافز وممكنات للدراسة الأكاديمية في كل مسار بما يحقق استيعاب تلك الأعداد قبل الوقت المحدد للقبول بفترة كافية, ومن ثم أرى أنه من الحلول الملزمة الشفافية في سياسات القبول التي يجب أيضاً أن تُعلن منذ بداية العام الدراسي أمام المجتمع ليكون الطالب وولي أمره على وعي بما سوف يُتاح له من فرص ويستطيع رسم توجهاته, وتكون تلك السياسات المعلنة مبنية على إستراتيجية متفق عليها بين التعليم العام والعالي. ومن الحلول أيضاً ضم الجامعات الأهلية إلى بوابات القبول الموحَّد لتستوعب أعداداً من الطلاب كمنح لتفعيل الشراكة المجتمعية التي يتغنى بها القوم؟! وذلك وفق ما يتم الاتفاق عليه مع وزارة التعليم مما لا يضر بأولئك الطلاب، فواقع المنح الحالي «باطنه فيه الرحمة.....» ومن رؤيتي الخاصة أن لا يتم الترخيص للجامعات الأهلية إلا وفق اتفاقية شراكة حقيقية لقبول عدد مكافئ من الطلاب المواطنين مجاناً, ويجب أن تأخذ الجامعات الناشئة في المحافظات دورها التعليمي والمجتمعي كاملاً أسوة بالجامعات الأخرى، فنتمنى أن تلتفت وزارة التعليم لتقييم الطلاب عند القبول من خلال معادلة مهاراتهم برغباتهم، وأن يكون الاحتياج الأكثر إلحاحاً في صدارة القبول له من عدد وعدة...
يتبع