د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
بدأت تطفو على السطح عبارة أزمة أسواق ناشئة كما جاء في صحيفة فاينانشيال تايمز الذي يتزامن مع تقرير أصدره معهد التمويل الدولي يؤكد فيه إن الانخفاض في أسهم وعملات الأسواق الناشئة وصل إلى مستويات الأزمة، رغم أن البعض يفرق بين ضعف الأسواق الناشئة والأزمة الآسيوية في أواخر التسعينات التي أدت إلى انهيار اقتصادي والتي كانت صدمة مفاجئة.
هناك خبراء في ستي جروب متخصصون بالأسواق الناشئة يعتبرون أن الأسواق الناشئة حالة مرضية مزمنة وليست حادة، وهي نهاية عصر شهد نمواً سريعاً يقوده الاستثمار في الصين، والأخرى تراجع نمو التجارة العالمية إلى مستويات لم نشهدها منذ جيل، أي أن على العالم أن يتأقلم مع تلك المتغيرات، خصوصاً وأن العالم بعد الأزمة المالية عام 2008 وجد مبتغاه في الديناميكية في اقتصادات السواق الناشئة ساعدت في جر العالم مرة أخرى على النمو، لكن هذه الديناميكية غير موجودة الآن بل استنزفت، خصوصاً بعدما وصلت الديون في الشركات الصينية إلى 145 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي حسب صندوق النقد الدولي، وهو ما يقود إلى الانكماش الحاد في الاستثمار الخاص الذي يمثل تهديدا لحجم النمو الذي تستهدفه الصين.
انخفض نمو الأسواق الناشئة إلى 3.6 في المائة عام 2015 وهو أدنى مستوى منذ عام 2001 وهو ما أثر على اقتصادات الأسواق الناشئة المصدرة للسلع الأساسية، جزءاً من تلك الأزمة بسبب ضعف الطلب الذي عكس تدفقات رأس المال وانخفاض أسعار السلع الأساسية، وتباطؤ نمو الائتمان، وجزء آخر بسبب المشكلات الهيكلية من جانب العرض تسببت في موجة انكماشية تؤدي إلى انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي وإلى عملية بيع سريعة للأسهم والعملات والشيء نفسه ينطبق على دول متقدمة مثل أستراليا وكندا، بجانب تأثير المخاطر الجيوسياسية التي هي أيضاً تحكمت في معدلات النمو وتحرك أسعار السلع والمعادن.
تدني أسعار السلع الصناعية يدشن حقبة جديدة في الأسواق تقبع فيه أسعار السلع التقليدية مثل النفط والفولاذ والفحم في أدنى مستوياتها منذ عدة سنوات، إلا أنه يتوقع أن ترتفع أسعار المواد الخام الداخلة في الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية مثل الليثيوم والجرافيت والكوبالت، ويشمل الانخفاض الأجهزة الكهربائية ومواد البناء بسبب تراجع مدخلات الإنتاج الأولية، ما يعني أن أرباح القطاع الصناعي الأكثر تأثراً وتباطؤ النمو يزيد الضغوط، مما يؤدي إلى مزيد من الانهيارات في الأسعار على مستوى العالم في عام 2016 مما يجعله عام غير مناسب للاستثمار في السلع الأولية ما يجعل الذهب بريق الأمل.
رغم أن انخفاض أسعار السلع يحفز النمو العالمي، لكن انخفاض الطلب وتخمة المعروض، ما يجعل الدول تتجه نحو تقليص الطاقة الإنتاجية، مثلما لجأت الصين إلى تقليص الطاقة الإنتاجية السنوية لقطاع الصلب بما يراوح بين 100- 150 مليون طن وطاقة إنتاج الفحم بواقع 500 مليون طن خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة التي تنتهي بعد عام 2020 في ظل تراجع الطلب وانخفاض الأسعار منذ فترة طويلة.
وستخفض الصين طاقتها الإنتاجية من الصلب لعام 2016 نحو 45 مليون طن ومن الفحم 280 مليون طن، خصوصاً وأن الصين تحافظ على إبطاء وتيرة زيادة الأجور كي تحافظ على تنافسيتها، حيث أبطأت عدة أقاليم صينية وتيرة زيادة الحد الأدنى للأجور أو أوقفتها تماماً في الوقت الذي تواجه فيه الشركات المحلية ضغوطا جراء زيادة النفقات وضعف الطلب.
كما تسعى الحكومة إلى تقليل أعباء تكلفة المزايا الاجتماعية التي تتحملها الشركات حتى يساعدها على تعزيز تنافسيتها بشكل أكبر مع مراكز التصدير المنخفضة التكلفة، وعلى رغم ارتفاع تكلفة العمالة واصلت الصين كسب حصة في سوق التصدير العالمية عام 2015، حيث فقدت الصناعة الأوروبية للصلب بسبب هيمنة صناعة الصلب على السوق الأوربية نحو سبعة آلاف وظيفة حتى منتصف 2016، بل حتى الهند حيث تعتزم شركة تاتا ستيل الهندية بيع مصانعها المتعثرة فيها، حتى أصبحت شكاوي منظمة التجارة العالمية 8 من آخر 10 تحقيقات وقاية تناولت سبائك الفولاذ، حيث أن مصانع الصلب في البلدان المتقدمة تترنح تحت وطأة طاقة إنتاجية فائضة وواردات أرخص.
المضاربون في الصين يقضون مضجع تجار المواد الخام، حيث إن تكدس مستثمري التجزئة يذكر الصينيين بانهيار الأسهم عام 2015، ويذكر الغربيين بأن قوة التسعير تتجه شرقاً، لذلك نجد أن الصين ترفض الشكاوى الأمريكية من الإفراط في الإنتاج الصناعي، ووزير مالية الصين يقول إن حكومات العالم ابتهجت بفورة الاستثمارات الصينية وقت الأزمة المالية عام 2008 والآن يشتكون، فيما تحذر الولايات المتحدة من تآكل النمو الصيني بسبب فائض الطاقة الصناعية وسط انتقاد بكين رسوم الإغراق التي تستهدف مصنعي الصلب، وهو ما جعل بكين وواشنطن على خطى التقارب بين أكبر اقتصادين في العالم، حيث بدأت الصين احتواء الغضب الأمريكي بتخصيص حصة للاستثمارات الأمريكية لأول مرة.
لذلك تدعو الصين إلى تحفيز التجارة العالمية خلال اجتماع وزراء دول مجموعة العشرين في شنغهاي الصينية في 9-7-2016، خصوصاً وأن مدير عام منظمة التجارة العالمية روبرتو أزيفيديو على هامش هذا الاجتماع قال بأن نمو التجارة العالمية قد يبقى دون 3 في المائة للسنة الخامسة على التوالي، وإذا ما تم استثناء الانهيار الذي أعقب الأزمة المالية عام 2008، فإن انخفاض نمو التجارة العالمية بلغ أدنى المستويات منذ عقود، ونبهت المنظمة إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يترجم بنحو سبعة مليارات يورو من الرسوم الجمركية الإضافية للمصدرين البريطانيين، لآن بريطانيا مضطرة إلى إعادة التفاوض على اتفاقيات تجارية جديدة مع الاتحاد الأوروبي و58 بلداً حول العالم تربطها علاقات بالكتلة القارية عبر اتفاقات للتبادل الحر، وتعتبر إعادة التفاوض معضلة ليست باليسيرة.
تراهن الصين على التجارة لتحفيز محركات النمو العالمي، وهي تريد من أعضاء المجموعة أن يوقعوا على الاتفاق الجمركي المسمى اتفاق تسهيل المبادلات، وهو اتفاق أبرم بصعوبة عام 2013 في بالي، ويحتاج إلى توقيع ثلثي أعضاء منظمة التجارة ليدخل حيز التنفيذ، وهذا الاتفاق يهدف إلى إعادة النظر في الإجراءات الجمركية، من حجم التجارة العالمية ألف مليار دولار سنوياً.
هناك قلق ومخاوف في بلدان مجموعة الـ20 في ختام اجتماعاتهم في قمة شنغهاي من تصاعد التدابير الحمائية في دول المجموعة، وهذه الدول تمثل 80 في المائة من الاقتصاد العالمي، ولا يزال الاقتصاد العالمي متفاوتاً، ويجب أن تبقى التجارة والاستثمار المحركين الأساسيين للنمو، رغم أن وضع الاقتصاد العالمي يبقى قاتماً مع تراجع وتيرة نمو التبادلات العالمية بعد الأزمة المالية عام 2008 لتراوح 3 في المائة سنويا منذ عام 2009 مقابل أكثر من 7 في المائة في العقدين السابقين.
اكتفى البيان الختامي حول اتهام الصين بإغراق العالم بفولاذ متدني التكلفة للتخفيف من الفائض الهائل في قدرات قطاع الصلب والفولاذ لديها، لكن البيان الختامي اكتفى بوصف الطاقات الفائضة بأنها تطرح مشكلة عالمية تتطلب ردودا جماعية، لكن هذه المساعي تصطدم بالواقع حيث إن الصين تنتج وحدها نصف الصلب في العالم، وكان ملف صناعة الحديد والصلب ماثلاً أمام البرلمان الأوروبي حين صوت أخيراً للدعوة على عدم منح بكين صفة اقتصاد السوق ما يجعلها تتمتع بوضع مميز، أما واشنطن فتندد باختلالات في السوق.
فيما أثنى البيان الختامي للمجموعة على قيام مناطق تبادل حر تشكلت على هامش منظمة التجارة، لكنه دعا إلى أن تبقى مفتوحة لاستقبال أعضاء جدد، في وقت تتواجه واشنطن وبكين من خلال مشروعين متنافسين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ووجدت السعودية العضو العربي الوحيد في مجموعة الـ20 فرصتها في بحث تعزيز التعاون الاستثماري مع دول العشرين وعقد اجتماعات ثنائية واستعراض رؤية السعودية 2030 وبرنامج التحول الوطني الذي يوفر الفرص الاستثمارية الواعدة في السعودية والتسهيلات المقدمة لها.
خصوصاً وأن التجارة البينية مع الصين أكثر من 70 مليار دولار وتعتزم الصين توسيع شراكاتها الاستراتيجية مع السعودية في المجالات كافة من خلال تنفيذ 14 اتفاقية وقعت خلال زيارة الرئيس شي جين بينغ الرياض مؤخراً، بالإضافة إلى التعاون في مجالات الصناعات الحديثة والدقيقة المتقدمة وتكنولوجيا الصناعة النووية والطاقة، ومجالات أخرى ذات صلة تنسجم مع برامج الرؤية السعودية 2030.
وترى الصين في السعودية شريك في تنفيذ خريطة الحزام والطريق التي تنسجم مع الاستراتيجية العالمية، والتوجه السعودي الجديد، خصوصاً وأن السعودية شريك مهم للصين في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في منطقة الخليج، في ظل تفاؤل كبير بمستقبل العلاقات السعودية الصينية في المرحلة المقبلة التي تتسق مع الجهود المستمرة لتعزيز الأعمال الأساسية للاجتماع اللجنة الحكومية المشتركة، وتحقيق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين على أوسع نطاق.