في ليلة ...
مرت سنتان إلا قليلاً على أول حديث لي معك كنت بائساً يائساً من كل شيء تتفلت الذاكرة من بين يديك على هيئة حكايا جسيمة .
كان الدمع الذي ينساب على صفحة خدك أشبه ما يكون بجريان نهر على صفحة الأرض وشتان ما بين الماءين أحدهما عذب والآخر ملح أجاج.
الغربة، الوحدة، الرحيل تذاكر قطعتها لك الحياة قبل أن تمرق عامك العشرين وكأنها تهيئك لما هو أبعد من الحزن والوجع وكأنها تعرف أنك ستبقى أسيراً تراوح في عالمهما برغبة أولى منك أنت الذي صنعت للحزن خبزاً من قلبك وجعلته بإشارة منك يطفئ ظمأه من دمك .
هذه الخطوات البعيدة التي خطوتها نحو الحياة الصعبة لم تكن قادرة على محو شيء من الفشل القديم لأنك وحدك فقط تدرك أن ما انسرق منك لا يقدر بثمن. ووحدك فقط تعرف أن الذين يعانون من الغربة صغاراً يبقون كل العمر غرباء حتى في أوطانهم.
ووحدك تؤمن أن ما جاء بعده من نجاحات ما هي إلا خطوات فرّت من يد القدر وكنت تكره القدر تنشب أظفارك في رأسه تسأله كثيراً كثيراً فتزيد العتمة ويغشى الضباب الطريق .
البارحة كان صوت بكائك موجعاً كان يبدو لي أن شرخاً ما على حين غرة من الصمت انبجس في ضلعك الأيسر الأقرب من قلبك .
بقيت صامتة طوال الوقت أسمع شهيقك الذي دوّى في كل الليل الأسود خالية اليدين إلا من أذني.
كنت تبكي العمر، الحب، النأي، الغدر الذي فتك بقلبك وأتحلق حول دهشتي منك .
- تركية عواض الثبيتي