د. صالح بن سعد اللحيدان
يعتقد كثير من العلماء من أهل اللغة والنحو وعلماء السياسة الشرعية أن علم النحو إنما نشأ إنما كان في عهد عمر -رضي الله عنه- وهناك من قال إن أساسيات علم اللغة أو أصولها إنما نشأ في عهد علي -رضي الله عنه- وهناك من قال إن علم سياسة الشريعة فيما يتعلق بعلم الأصول بصفة عامة لا بصفة تفصيلية إنما نشأت في عهد الشافعي -رحمه الله- .
وهذا قد وجدته حتى لدن كثير من العلماء في العلوم الثلاثة بل لعل هذا أقيمت عليه دراسات علمية بل إن بعضها أخذ عليها بعضهم درجة الدكتوراه والماجستير.
ولعل حصول هذا يعود إلى عدم تأصيل المسألة من أساسها وعدم تقعيدها مع ضابط الاستعجال للوصول إلى النتيجة التي يسعى إليها الباحث اللغوي أو الباحث النحوي أو ذلك العالم في سياسة الشريعة.
وقد وجدت هذا مع أسف بالغ لدى بعض المجالس والمراكز والهيئات العلمية الرسمية والمستقلة.
وهذا مؤشر ما في ذلك شك على عدم سعة التصور وسعة الاطلاع في أصول وفروع علم اللغة والنحو والشريعة.
ومن باب العقل الاستقرائي من هذا الباب فإن فاقد الشيء لا يعطيه لأن الأصل في أصله الفرعي لا بد أن يعود إلى أصل كلي ينقطع حوله كل قول.
ولننظر قوله تعالى (بلسان عربي مبين) وهذه الآيه من حيث النظر العقلي المستقصي من أول معانيها سياسة علم اللغة ومفرداتها ونسقها المتحد في قوله تعالى (بلسان عربي) ومن جهة أخرى فإن قوله تعالى (مبين) بضم الميم, فهذا يعني أساسيات علم النحو ذلك أن الإبانة إنما تتشكل من خلال تماسك واتحاد الحروف لتعطي المعنى الذي يحسن السكوت عليه وهو الإعراب للجملة المراده ولذلك لم يقل تعالى (بلسان عربي بين) بل قال جل وعلا(مبين) فجاء هنا المصدر الميمي ولم يأت الفعل والمصدر أقوى من الفعل.
ذلك أن المصدر أصل المشتقات كذلك قال العلماء.
وما قام به عمر أو علي -رضي الله تعالى عنهما- أو قام به الشافعي إنما جاء من باب الإعادة إلى أصول العلم دون ريب.
ولذلك نجد النسق الطردي في حالات كثيرة في العصر الحديث أن كثيراً من الباحثين والأدباء والمثقفين ينقل بعضهم من بعض دون الإشارة إلى ذلك ببالغ من الذكاء متين.
وعلة هذا أن النقد اللغوي والنقد النحوي والنقد العلمي الذي بينته كثيراً في كثير من المؤتمرات والندوات مفقود وإنما الموجود إنما هو دراسات وبحوث للأعمال اللغوية والنحوية والعلمية الشرعية.
وسوف يستمر الحبل على الجرار إذا استمر الأمر على ما هو عليه.
وفي مؤتمر فاس في فندق قصر الجامعة حينما كنت امثل وزارة العدل كنت قد خاطبت رؤساء الدول وولاة الأمر إلى ضرورة معرفة التقارير العلمية والشرعية وخاصة فقه النوازل وسياسة اللغه والنحو.
وتطبيق النص على الواقع وتطبيق الواقع على النص.
وكنت قد ذكرت في عدد سلف إلى المجلة الثقافية الجيدة من يوم 18/10/1437 في صفحة 19 قلت هناك ((إن يعض الذين يحاضرون في الجامعات في مجال اللغة أو النحو أو العلوم الشرعية إن كثيرا منهم يلحن لعله بدون قصد لكن هذا دليل على ما أذهب إليه, ولهذا تنحو كثير من الدول إلى إنشاء الهيئات العلمية والمراكز العلمية واللغوية لضبط أساسيات العلم وفقه النوازل من خلال الاجتماعات الدورية وحتى هذا أجد فيه كما أجد عليه كثيرا من الملاحظات خاصه فقه الآثار والإضافات العلمية غير المسبوقة بحال.
ولاشك أن اللغة هي أرض العلم وأساسه التي يسير عليها لأنها تعطي الباحث والمحقق والدارس ما لا يستغني عنه.
وهذا ولا جرم أمر يلزم منه من كثير من الدول إلى نظر تقارير هذه المراكز وهذه الهيئات من أجل أمور خمسة نظرتها حسب تجربتي وقراءاتي.
أولا: لقطع تكرار النتائج العلمية
ثانيا: لقطع الأساليب الإنشائية ومجرد النقل
ثالثا: لقطع تداخل الآراء والاجتهادات التي لابد من تأصيلها وتقعيدها وإعادتها إلى أصولها
رابعا: لقطع التقليد مع إمكان الاجتهاد حسب وسائله علما وعقلا وفكرا
خامسا: لقطع الاستطراد الذي لاحاجة له خاصة في هذا الحين
وقد وقفت وهذا شاهد على ما أقول على من فسر سورة ق وسورة التحريم تفسيرا يصعب علي نقله زمن باب التصحيح فإني أبين معاني الآيات التي لعله يوقف عليها وتكون سبيلا للعلماء والباحثين في أصول مناهج التدريس والنظر والتحقيق))
ولم أزل على طلبي المراد هذا لأن رفع التقارير إلى نخبة ممتازة من ذوي الريادة العقلية العلمية والعلمية العقلية المتناهية التأني وسعة النظر وتمام التجرد تعطي العلم باعاً غير مسبوق مما يضفي على العلم في الدول صبغة وصيغة التجديد النوعي غير المسبوق.
وهذا دون ريب من متطلبات التجديد العلمي والقفزات الحضاريه تلك التي لعلها لاتكون إلا في آحاد الناس لأن في الزوايا خبايا لكن الدولة حينما تطلب التقرير من كل مجلس علمي ومركز علمي وهيئة علمية يعطي هذا تسابقا محموماً إلى التنافس أيها تبذل الوسع في التجديد النوعي في اللغة والنحو وسياسة الشريعة ونوازل المستجدات.
وقد جاء في الصحيح من سياسة النبي-صلى الله عليه وسلم- العليا في سياسة الأمة وتوظيف الفرص وتخصيص المواهب والقدرات الفذة أنه قال (أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ) (وأمين هذه الأمة أبو عبيدة) ودائما ما كان يقول -صلى الله عليه وسلم-:( كنت أنا وأبو بكر وعمر وجئت أنا وأبو بكر وعمر)
ومثل هذا كثير كما جاء في مطولات وأصول العلم وفروعه في سوالف عهود الخالية وتبقى هذه السياسة منه -صلى الله عليه وسلم- سياسة أصلية في تجديد الآراء والأطروحات العلمية لتوليد العلم الإضافي ومعرفة ذوي المواهب والقدرات وتوظيفها وإنزال كل عالم في منزلته بصرف النظر عن الشهرة ذائعة الصيت أو متوسطة الصيت لأن العقل إذا كان ثقيلا وجليلا يقود صاحبه إلى شيء من الانزواء وعدم التكلف مما يصرف النظر عنه فلا يكاد يعرف بين ماهو جبل أشم, وكما قلت آنفاً (في الزوايا خبايا).
وهذه مسؤلية اللذين يختارون الأفذاذ النجباء وإن كان هؤلاء في حال من عدم الظهور والميل للانطواء من باب شدة التأمل وكثرة النظر والبحث في سياسة اللغة وسياسة النحو وسياسة علم الشريعة.
وسوف نلتقي إن شاء الله.