فيصل أكرم
(أسبابُ شقائك هي نفسها قد تكون أسبابَ سعادتك، ويبقى الفرق أن الأولى أصيلة والأخيرة بديلة). عبارة كتبتها كتعليق على منشور (فيسبوكي) للصديق الدكتور صالح الغامدي، وهو المختص بأدب السيرة الذاتية، قال فيه: (يبدو أن الشعور بالسعادة كثيرا ما يكون مرتبطا بالشعور بشقاء سابق، والعكس قد يكون صحيحا أيضا)!
تذكرتُ حين قرأت المنشور ورددت عليه بتعليق، أسباب سعادتي التي حسبتها بديلة عن أسباب شقائي الأصيلة. أكتبُ الآن من بيروت، وأنا بعيد عن الأولى والأخيرة، ولكن الذاكرة حاضرة معي كأن الله أنعم عليَّ بكل شيء إلا النسيان.. تذكرتُ أول تلك الأسباب لذلك الشقاء الممتد حتى الآن: (انهدام المنزل، والمنازل المجاورة) في مكة المكرمة، أيام طفولتي التي صادفت توسعة للحرم المكي (ذكرتُ عن ذلك مدخل الشتات الأول في سيرة سيف بن أعطى) فكان الشقاءُ أكبرَ أصدقائي وأكثرهم ملازمة لي، حتى إذا أصبحتُ شاعراً قلتُ:
(هو ذا انشقاقٌ، في الهواء الهائلِ ..
وترفَّعتْ عنه السقوفُ المنهكاتُ، على الجدارِ
بداخلي ..
كيما أقول الآنَ،
في وسَطِ اعترافِ خطيئةٍ خفَّتْ على الميزانِ،
تسقطُ،
حين ترفعها يدٌ مُدَّت من الغفرانِ: من؟
فأجيبُ نفسيَ هامساً:
هو ذا أنا ..
لكنَّ.. لا
بعد الجفافِ،
وما تشقَّقَ في العروقِ من العروقِ
وفي الشغافِ من الشغافِ،
وبعدما انهدمتْ عليَّ منازلي ..
لا نفسَ لي)
ويا الله.. ما أكثر تلك المنازل التي حاولتُ أن أجعلها بديلة عن تلك الأصيلة، ووجدتُ فيها بعضَ سعادتي.. ولكنها سعادة تقل في حقيقتها عن ذلك الشقاء.. تقل لدرجة اختلاف يساوي الاختلاف ما بين الحقيقة والوهم.. الذاكرة والخيال.. الأصل والبديل.. ولأنني أميلُ إلى الأصل دائماً متخلياً عن كل بديل (هدمتُ) تلك المنازل وزعمتُ في قصيدتي أنها (انهدمتْ).. بينما التي انهدمت كانت مفتاح الشقاء، أما التي هدمتها فخاتمة السعادة.
هل ذلك حزن؟ ربما لا.. (فالحزن طمأنينة، والفرحة قلق). فلماذا أفرح به لدرجة الكتابة؟ أقول: لولا القلق ما كانت كتابة. الاطمئنان لا يجلك إلا مطمئناً ساكناً، كما النفس التي أرجوها أن تكون مطمئنة وهي ترجع إلى ربها راضية مرضية. أما القلق فهو يأخذك من نفسك لتكتب، لا يهم كثيراً كنهُ ما تكتب، فالمهم أنك تكتب، حتى لو عن أسباب شقائك وسعادتك.