بين تأييد، ورفض، وبين من آثر التقوقع في «دوامة الصمت» جاءت ردود الآراء تجاه إنشاء «الهيئة العامة للترفيه» أحد الأحلام السعودية التي طالما حلم بها المواطنون، والمقيمون على أرض المملكة، ضمن أحد أبرز منظومة رؤية التحول الوطني 2030م وانتشال الترفيه من حالة التغييب، والشتات من ساعات مشاعة عبر برنامج خجول أشبه بالكسل هنا، أو منشط كالمأتم يدَعي إشاعة البهجة هناك، عبر مناطق المملكة ومحافظتها!
كان من البداهة أن تعم أصوات التأييد الشعبي لإنشاء هذه الهيئة، لكون الترفيه حاجة بشرية، وأن تظل الأصوات التي عانت وعاشت حالة أشبه ما تكون باستلاب ثقافي «دوغمائي» حتى من البهجة والفرح دون صوت! أما أصوات (مسوخ) الشبكات المجتمعية، فأيا كانت حقيقية ما وراء أقنعتها من أرقام، فقافلة تحويل الترفيه إلى صناعة وطنية، بدأت تختط مسيرتها المرحلية، لتكون جاذبة للمستثمرين من داخل المملكة وخارجها، مفعّلة دور الصناديق الحكومية في المساهمة في تأسيس المراكز الترفيهية وتطويرها، لإيجاد خيارات ثقافية، وبدائل ترفيهية تناسب كافة الأذواق والفئات المجتمعية.
وإذ كانت الهيئة تعني (مأسسة) الترفيه، وجعله صناعة عصرية، وأداة تنمية ثقافية واجتماعية، ومنتج تنمويّ اقتصاديّ وطنيّ، فلا يمكن أن تكون مؤسسات الترفيه قطاعا جاذبا للمستثمرين، أو فاعلا من خلال الشراكات العالمية في هذه الصناعة، ما لم تكن قادرة على استعادة مئات الآلاف من الأسر السعودية الذين يغادرون عبر مطاراتها خلال مواسم الإجازات بحثا عن الترفيه، مجسدين حالة جدب ترفيهي شواهد شحها الموسمية ماثلة للعيان، ما يجعلنا أمام مشروع وطني للاستثمار في الإنسان، والمكان، والزمان، فكما أن المحافظة قيمة من قيمنا، فالترفيه - أيضا - قيمة معنوية ومادية، وحاجة مجتمعية ووطنية.
لقد تجاوز المجتمع اليوم بمراحل «حراج» المزايدات بمختلف الأشكال الواهية، وشتى الصور البالية، ولديه القدرة على تمييز (نشاز) كل ناعب يريد أن يجعل من نعيبه صوتا محسوبا، وملّ المجتمع مشاهد النعيق المفتعلة لأعين تستجدي دموعها الوحل لصيد عواطف الرعاع، وأدرك أن أجندة تم تجييش مشاعرها واستغلال انفعالاتها خلف الكواليس، لتعلب «بطولة» حجب الشمس بالغربال!
عندما تحولت لغة الأرقام، إلى قوائم حاجات واهتمامات، لدى الفرد وعلى مستوى الأسرة والمجتمع، فقد أصبحت اليوم في أولويات رؤيتنا الوطنية، مشاريع حضارية نهضوية، تستثمر في المواطن.. والوطن.
الوطن الذي نعيشه ويعيشنا.. أما خفافيش الكهوف فاكتفت بسكناها!.
- محمد المرزوقي