إن لفظة الحرية بحد ذاتها تملأ العقل بالأسئلة المعقدة التي لا يمكن أن تجد لها إجابات صحيحة أو خاطئة، بل تترك لك حرية تقدير الإجابة إن كانت صحيحة أو خاطئة. ويبقى السؤال الكبير في هذا المجال: هل تتعارض الحرية مع الإسلام من حيث المفهوم والممارسة؟ وإن كانت لا تتعارض فلماذا وقعنا في إشكالية صياغة المفهوم رغم أن كلمة الحرية تعتبر من الكلمات التي يقفز معناها البديهي قبل مفهومها العلمي إلى العقل؟!
وحين نقارن بين مفهوم الحرية كمصطلح في الدول الإسلامية ودول أوروبا من حيث الفكر، نجد أن هناك تبايناً في المفهوم مما يوضح أن الدول الإسلامية بمفكريها لم تستوعب حتى الآن المفهوم الكامل لكلمة الحرية كما يفهمها المجتمع الأوروبي، أيضاً الشيء نفسه لدى المجتمع الأوروبي الذي لا يستوعب معنى أن تجتمع الحرية والتكليف في آن واحد كما يحدث في مجتمعاتنا.
وقد أورد عبدالله العروي في كتابه مفهوم الحرية قول المؤرخ المغربي الشهير أحمد الناصري الذي قال: «وأعلم أن هذه الحرية التي أحدثها الفرنج في هذه السنين هي من وضع الزنادقة قطعاً لأنها تستلزم إسقاط حقوق الله وحقوق الوالدين وحقوق الإنسانية رأساً» وقد طرح مؤلف الكتاب ذاته رأياً حيث قال: «إن كلمة حرية في اللغات الأوروبية كانت عادية لدى الغربيين في القرن التاسع عشر، والمفهوم كان بديهياً إلى حد أنه لا يحتاج في الغالب إلى تعريف، أما علماء وفقهاء الإسلام فإنهم كانوا يستعملون عادة الكلمة التي لم تعرف رواجاً إلا كترجمة اصطلاحية للكلمة الأوروبية، وكانوا كذلك لا يتمثلون بسهولة ودقة مفهوم الحرية». وحين تبحر في الثقافة الإسلامية بحثاً عن كلمة الحرية ومفهومها فإنك تجد ربطاً واضحاً من كثير من الفقهاء والعلماء والمفكرين لمفهوم الحرية الشخصية وانضباط الإنسان وانصياعه للأوامر والتشريعات الدينية بما يلغي المفهوم، حيث ذهب الكثير إلى الانتقاص من الحرية باعتبارها نقصاً في الإنسانية لأن الحر برأيهم هو الخالي من التكاليف كالمجنون أو الطفل حيث تكون حريتهم أوسع بينما تقل مروءتهم! والمعروف أن الحرية منذ بدء تداول مصطلحها ورغم ما مرت به من إشكاليات إلا أنها دائماً تبقى مرتبطة بالمسؤولية والتكليف، فالحرية تقف عندما تتعارض مع حرية الغير، والإنسان مسؤول عن تصرفاته والضابط الوحيد هو العقل، كما شرح الغزالي في تعليقاته على الأسئلة الكبيرة بشأن الحرية والتكليف والقدر الرباني. بل أن المفاهيم الحديثة قد أوضحت أنواعاً للحرية وقسمت المجتمعات الممارسة لهذه الحرية بنفس اشتراطات الفكر الأوروبي الليبرالي الذي قدم الحرية غالباً في صورة الحرية السياسية والاجتماعية.
وعادة ما تقع المجتمعات التقليدية في تلك الإشكالية بين الصياغة للمفهوم والممارسة، حيث لم يستوعب الغالبية أن انسياق الإنسان للأوامر الربانية لا ينفي على الإطلاق مفهوم الحرية، طالما أن العقل له حق الاختيار الذي كفله الإسلام له. ويكمن السبب في ذلك هو أخذنا للأمور دائماً بمطلقها، بينما تحتاج بعض المفاهيم والأوامر إلى التجزئة اللغوية الثقافية لمعرفة ما يتناسب مع المجتمع (بثقافته ودينه وطبيعته) والانتفاع به وترك ما يتعارض معه.
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
AaaAm26@