«ما من شيء هذا الصيف عدا حرف الياء في المنتصف وموت الريحان في المزهرية»
- عمرو
المدن كالناس يسكنها الحنين والفرح وتقلبات الفصول وذاكرة الأرواح المكتظة.. وما من مدينة إلا وتحمل ذاكرتها حكايات السيل والبرد والمطر وتقلبات المواسم.
المدن كالناس تولد وتحيا وتموت وتعرف الألم .
وقدر مدننا أو الكبرى منها على الأقل أنها تقع على حزام الشمس الحارق وحيث تتعرّى الشمس بكل الجبروت وما اختارت أبداً أن تكون هناك لولا مزحة الجغرافيا المربكة.
ويربكها الصيف كثيراً يربك أهلها يربكنا نحن ونحن نجلد بكل هذا السياط ولا نجاة الا بالفرار أو الانتظار حتى يتحول الميزان ويهل «سهيل» *
ولأن قالوا أن عندهم في البلاد البعيدة الجنرال الثلج فلدينا نحن الجنرال الصيف وصيفنا مختلف وجنرالنا مختلف وقدرنا دائماً أن نكون مع المختلف.
ولصباحات الصيف طعم مختلف وله في المدن الساحلية طعم الخردل أو الأسطح المعدنية وروائح الأخبار السيئة.. والمدينة تأن منذ ما قبل طلوع الشمس وينعقد البخار كوعد خادع بمطر وما من مطر,
ويطفو الحنين على الشواطئ وواجهات المباني ويصافح الناس في الطرقات ويعتذر.
وفي مدينة كجدة تلبس المدينة في الصباحات وجه عروس بعد ليلة حب فاشله نجا منها كل شيء عدا الأصباغ والعطور الرخيصة وحيث يسّيل حر الصيف كل شيء.
وفي الصحاري يكون الصيف انتقاماً لا أكثر وينعقد سراب الماء كوعد خادع سراب يمتد على مدى البصر وتجري الأنهار ويلمع شيء وما من شيء عدا ذلك السراب سراب الأمل.
غير أننا أعتدنا كل ذلك وهذه بلادي ولها الحب في حرها وقرها وبها لن نبادل كل الجنات.
ونتألم قليلاً ونعرف أنه سيعبر ويتمطى النهار طويلاً ونمضيه بالصيام وهز جذوع النخل ويتساقط الجنى وتطيب عناقيد الكروم وفي الليل لا بلاد كبلاد «والله ما أرق الرياض تالي الليل» كما قال أحد عشاقها.
وجمال الحياة في تبدلات الفصول وجمال بلادي أنها بلادي وأنها تحت عين الشمس وأي بلاد الله تحت عين الشمس؟
وسلام على الأوطان نحبها وتقسو ونقسو وتغفر وحفظنا كل ذلك وعرفنا منافع تبادل الغفران.
ويا أيها الصيف لك كل المدى وأعتدناك والشجر يناضل وغداً سيكون أخضر والرمال ما اعتادت الشكوى منذ البدء وقريباً سيرش المطر كل هذا المدى الفسيح وحتى الحشائش تغني.
... ... ...
*برج الميزان وطلعة سهيل.
- عمرو العامري