موضي الزهراني
إن «قضية هروب الفتيات» من القضايا الأمنية - الأسرية - الخطيرة، والتي بدأت تهدد الأمن الوطني في السنوات الأخيرة، لأنها بلا شك لا تتوقف عند تهديد المحيط الأسري فقط، بل تمتد أيضاً للمحيط الأمني الوطني لما يتعلق بها من مؤشرات أخلاقية وجنائية تستدعي الاهتمام الأمني العاجل! ومن واقع مسئوليتي السابقة في مجال العنف الأسري تعاملت مباشرة مع حالات مختلفة من هروب لفتيات واجهن صوراً مختلفة من سوء المعاملة والتعذيب من أسرهن، مما دفعهن بعد سنوات طويلة من التحمل ومحاولة التغلب على ما يواجهنه من عنف من أقرب الناس لهن إلى الهروب إما بطريقة منظمة أو عشوائية وكلاهما تدفع بهن إلى مخاطر لا يتوقعنها ولا يدفع ثمنها في الأخير سواهن، لأنهن لم يلجأن للطريقة الصحيحة لإنقاذهن من الحياة البائسة التي عانين منها! فما حدث كمثال من ضجة إعلامية واسعة عن هروب فتاة سعودية من تركيا إلى جورجيا، وتداول قضيتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب تعنيف والدها لها يحتاج إلى وقفة جادة من الجهات الحقوقية والاجتماعية المسئولة عن القضايا الأسرية لدينا خاصة تجاه العنف الأسري الذي قد يدفع بفتيات كثيرات للهروب سواء داخل الوطن أو خارجه! خاصة أن السبب الرئيس لهروب الفتاة «شهد» هو «تعنيف والدها لها» حسب ما تم تناوله على الحساب في تويتر والذي يحمل اسم الفتاة، ولا نعلم عن مدى صحة هذه المعلومات إلى الآن! لذلك من أجل حماية فتياتنا من التعرض للعنف والاستسلام له لسنوات طويلة مما يسيء لقدراتهن على الاستمرارية في التحمل، ويسيء كذلك لمدى ثباتهن السلوكي واستقرارهن الأسري، فإنه من مسئولية الجميع وخاصة الجهات الاجتماعية والحقوقية والأمنية، ومن خلال حزمة من الخدمات الاجتماعية والأمنية الدقيقة جداً لكي نحقق من خلالها إيصال المعلومة للمستفيدين من تلك الخدمات وفي وقت قياسي. حيث يشير حساب الفتاة بأنها عانت سنوات من عنف أسرتها، واستخدام الأب للسلاسل لتربيط أخيها من أجل ضبطه سلوكياً، ولكنها بالرغم من ذلك لم تلجأ لوحدة الحماية بالمنطقة مثلاً! ولكنها بعد هروبها من أسرتها استطاعت بسهولة أخذ جوازات أسرتها بالرغم أنها وثائق مهمة جداً لدى جميع أولياء الأمور وخاصة فئة والدها! وهذا من أبسط صور الانتقام منهم حينها! فما يتم تداوله أيضاً على الحساب من وصف سيء عن تعامل الأسرة مع الفتاة وأخيها، وتفاعل العامة معه تفاعلاً قوياً يشير إلى أن العنف مرفوضلدينا بجميع مستوياته وأنواعه، وبالإمكان التدخل لحمايتها لو تم الإعلان عنه داخل السعودية سواء من الأجهزة الرسمية أو من خلال الأجهزة المدنية والمهتمين بهذه القضايا! لكن للأسف لا نعلم عن حقيقة ظروف الفتاة قبل الهروب ولماذا لم تتصل بمركز البلاغات الأسري 1919 أو رقم الداخلية 911 أو حتى الهروب لأمارة منطقة القصيم، أو حتى لمركز شرطة الحي لحمايتها، أو الاستعانة بأقاربها بدلاً من استغلال سفرها للخارج للهروب لمكان غير معلوم! فهذا النموذج لفتاة جورجيا قد يتكرر لدينا وبصورة أشد إذا لم يتم محاربة العنف الأسري بآليات وعقوبات أشد مما يحدث الآن، والاعتراف مع المعالجة بأن ملف العنف الأسري لا تتوقف خطورته داخل النطاق الأسري فقط!