فيصل خالد الخديدي
المبدع ابن بيئته، والإبداع يكون أكثر صدقًا كلما كان أكثر التصاقًا في منبعه بمبدعه وبيئته، وناتجًا من تفاصيل بيئته المألوفة، ويقدمها بشكل ونظرة غير مألوفة تختص بمبدعها فقط, فالجمال كما الأفكار موجودة على قارعة الطريق تنتظر من يلتقطها وينفض عنها غبارها، ويقدمها بالشكل الذي تستحق كمنجز إبداعي أصيل، ومتى ما كان المبدع ممتلئًا بتفاصيل صادقة، أغنته عما سواها، وكانت قاعدة ومنطلقًا لأفق أرحب من الإبداع والتمكن، ولعل هذا ما وُصف به مبدعنا حينما قال عنه أساتذة الفن في إيطاليا: إنه كأس مملوءة لو أضيفت لها قطرة واحدة ستخرج منه، ولن تضيف له شيئًا.
الفنان علي الرزيزاء، فنان ممتلئ بالفن مترع بالجمال حد الإبداع، وهو من مواليد (أشيقر)، المدينة النجدية التي تقع في وسط السعودية، مدينة هادئة منغمسة في الطبيعة العربية الأصيلة بكل اتجاهاتها، وغنية بطبيعتها من نفود إلى ضلوع إلى مزارع نخيل, وهي من أقدم مدن نجد، ولازالت محتفظة بالعديد من الآثار القديمة، وذات بيئة ثقافية خصبة ألقت بظلالها على شخصية الفنان وموهبته المبكرة، واستنطقت مكامن الإبداع في مخرجاته، ومنجزاته الفنية، والتي صقلها بدراسته للتربية الفنية بمعهد التربية الفنية في الرياض، وأعقبها بدبلوم من أكاديمية الفنون بروما، فأصبح بفنه ومعرفته، وخبراته المكتسبة من الممارسة والدراسة، والموهبة الفطرية كشجرة مثمرة، امتد عطاؤه على الكثير من الجهات الحكومية والخاصة التي عمل بها، فظهر امتداده الفني على كثير ممن درسوا على يديه التربية الفنية، وتعلقوا بالفن, وأشرف بعد ذلك على إعداد وتصميم وتنفيذ معرض الرياض بين الأمس واليوم، والذي قدم صورة مشرقة في العديد من الدول والعواصم التي أقيم بها مثل: (لندن، باريس، القاهرة، أمريكا، مونتريال، تورنتو وإشبيليا), وكنتيجة طبيعية لرحلة الفنان مع المفردات الشعبية وهوية الوطن، واستيعابه ومعايشته لها، جاء فوز أحد تصاميمه في إحدى أبرز وأهم مسابقات الوطن، في تصميم شعار للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية، ولأن الفن عنده حياة وهوية تجاوزت المسابقات والجوائز، عمل جاهدًا على أن يعيش الفن حياة، وأن يكون كل ما يُحيط به فن، فبنى عالمه بنفسه بتصميم ورؤية ذاتية، فكان منزله متحفًا امتد العمل به على مدار أكثر من خمسة عشر عامًا، وكان تحفة فنية راعى فيها الملامح النجدية، والتراث المحلي بأدق تفاصيله من أبواب وشبابيك، وأرضيات وسقوف وزخارف، ونقوش، ونظام الإضاءة والتهوية، وألوان الطلاء والأثاث، فظهر تحفة فنية بمفردات زخرفية متحدة، عميقة المدلول، مبنية بتكرار غير مخل، وهندسية منتظمة مريحة بصريًا، وأنيقة ديكوريًا، فأصبح منزلاً وتحفة فنية، ودار عرض ضمت أكثر من خمسين عملاً فنيًا من مقتنياته لعدد من الفنانين العالميين والعرب والمحليين.