د.محمد بن عبدالرحمن البشر
كتاب ألّفه أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى عام 597هـ، وهو كتاب لا يتحدث عن فضل السودان والحبش، والكتاب متنوّع المشارب ففيه عن أحد الممالك والهجرة إلى الحبشة، وعدد من هاجر إليها في زمن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم وأخبار عن ذي القرنين ولقمان الحكيم، وإضافة إلى ذلك حديثاً عمّن يفضل الجواري السود على البيض، إضافة إلى شيء من المواعظ والوصايا.
هذا الكتاب الذي ألف في ذلك الزمان حكى ما بخلد المؤلف من نفحات فكرية وعلمية سطرها في كتابه المشار إليه، وهذا ما يتماشى مع ما هو سائد في ذلك الزمان، ولعلنا نقلب الصفحات لنقطف شيئاً من شذراته قبل أن نعرج على ما تهدف إليه من أحداث تقع في هذا العصر.
ونتجاوز غير الحسن فيما قال، لنذكر الحسن، فهو يقول: «من طباع السودان، قوة البدن، وقوة القلب، وذلك يثمر الشجاعة، والكرم الوافر، وحسن الخلق، وقلة الأذى، وضحك السن، وطيب الأفواه، وسهولة العبادة، وعذوبة الكلام». ومما ذكره أيضاً أن خالد بن صفوان دخل على أبي العباس السفاح، وكان عازفاً عن الجواري، فقال له: «قد حرمت نفسك استظراف الجواري، إنّ منهن السمراء اللعساء، والصفراء العجزاء، ومولدات المدينة والطائف واليمامة، ذوات الألسن العذبة، والجواب الحاضر».
ولعل سواد العين والشعر من صفات الجمال، وفي الشعر دلالة الشباب، فإذا غاب لسبب من الأسباب، انصرفت لأجله ذوات الخلخال، هكذا كان سائداً فيما مضى من الزمان، ولهذا قال ابن الجهم:
لما رأت شيباً يلوح بمفرقي
صدت صدود مفارق متجمل
فظللت أطلب وصلها بتذلل
والشيب يغمزها بأن لا تفعلي
ومن أطرف ما وقعت عليه عيني في الكتاب، مثلاً في ثقل النوم فيقال: نوم عبود، وكان عبود هذا رجلاً أسمر البشرة حطّاباً، بقي في محطبه إسبوعاً لم ينم، ثم انصرف إلى أهله فنام أسبوعاً.
وفي نظري أنّ هذا أمر لا يعقل، وإنما هو جزء من الأساطير التي تمتلئ بها كتب التراث.
وفي قصة أخرى جميلة، فقد ذكر ابن خلف أنه كان جالساً يوماً على ركي، وذلك في أشد ما يكون من الحر، فإذا جارية سوداء تحمل جراً لها، فلما وصلت إلى الركي وضعت جرها، ثم تنفست الصعداء، وقالت:
حرُّ هَجراً، وحَرُّ حباً، أين من ذا، وذا، وذلك المفر.
وملأت الجرة وانصرفت، ثم جاء رجل أسمر البشرة ومعه جرُّ فوضعه بحيث وضعت السيدة السمراء جرها، فمر به كلب أسود، فرمى إليه رغيفاً كان بيده، وقال:
أحب لحبها السودان حتى
أحب لحبها سود الكلاب
هذا هو ابن الجوزي العالم والواعظ الحنبلي المشهور الذي يتناقل الناس كتبه ويستشهدون بها، يصنّف في جميع المشارب ولم يشغل نفسه إلاّ بالعلم والتصنيف.
واليوم نريد أن نزيل الغبش عن ما لحق بالإسلام من ضلال فئة تدّعي زوراً انتماءها إليه، وفكرها أبعد ما يكون عن نصه ومعانيه، فلا يكاد المرء ينهي مقالاً يريد أن يخرج من خلاله مما يراه من المآسي المحيطة بنا والتي تقع باسم الإسلام، إلاّ ويسمع بحدث ظالم جديد يقع على أيدي هؤلاء المعتوهين فكرياً، الخارجين عن الإيمان، والأديان، وأخلاق الإنسان.
كنا نعجب عندما يقع حدث من مثل هذه الحوادث في بلد معين، وإذا بنا نكاد نسمع بإجرامهم في كل يوم، وفي أجزاء متعددة من هذا العالم الفسيح.
ومن المؤكد أن المملكة العربية السعودية قد عانت من خلال هذه الفئة الضالة معاناة كبيرة، وهي في الوقت ذاته، من أكثر الدول إنْ لم تكن أكثرها محاربة له في الداخل والخارج، ولم تبق وسيلة من الوسائل لمحاربة هذه الظاهرة الغريبة إلاَّ وأخذت بها، فقد دفعت المال وتبادلت المعلومات مع المتحالفين معها في محاربة الإرهاب، وعمدت إلى المناصحة، وجنّدت الوسائل الكفيلة بتصحيح هذا الفكر الضال.
يا ترى من يزيل الغبش؟ وكيف؟ ومتى؟، وهل يتحد العالم جميعاً بقلب صادق لفعل ذلك؟.