أ.د.عثمان بن صالح العامر
شخصياً أعتقد أن هذا مطلب ضروري في هذا الوقت بالذات، وذلك لأسباب عدة عرجت على بعضها في مقالات سابقة بهذه الزاوية (الحبر الأخضر)، وأهم هذه الأسباب - في نظري-:
* الصراع القيمي الذي تعيشه الأسرة السعودية جراء الانفتاح العالمي المهول الذي صاحب الثورة المعلوماتية وولوج عصر العولمة، مع محاولة بقايا الجيل الماضي «الآباء والأجداد» المحافظة على قيم القبيلة أو القيم الاجتماعية المتوارثة، فضلاً عن القيم الإسلامية المتجذرة في الشخصية السعودية سلفاً، ونقلها ما استطاعوا لأبنائهم الغارقين في البحث عن ذواتهم وسط زخم التجاذبات التي لا ترحم.
* غزو التطرف الفكري لبيوتنا، وقدرته على اختطاف عدد من أبناء الأسرة السعودية للأسف الشديد، فنحن في زمن الاختطاف بأنواعه وأشكاله المختلفة، ليس فقط للأبناء الذكور بل للجنسين على حد سواء، ولا يقتصر على من هم في سن المراهقة، بل يشمل جميع الأعمار ومختلف الشرائح والفئات، وأشد أنواع الاختطاف وأخطرها فتكاً وأعظمها أثراً «الاختطاف العقدي» الذي مارسه ويمارسه مع شبابنا الذين ما زالوا في مرحلة البناء والتكوين الثقافي والفكري دعاة الإلحاد والزندقة من جهة، ومنظرو التطرف ومفكروه ومخططوه ودعاته والمطبلون له من جهة أخرى.
وهناك اختطاف العقول، والأرواح، والأجساد، والأموال، والأنفس وغير ذلك كثير، سواء عن طريق المخدرات أو مواقع الإنترنت وقنوات التواصل الاجتماعي في العالم الافتراضي الذي فتح الفضاء لكل من هب ودب ليرسل ما شاء لمن شاء وكيف شاء وفي أي وقت شاء.. ولذلك فمسئولية الأبوين في هذا الزمن عظيمة، وواجبهم كبير، وأمانتهم أشد من ذي قبل حتى لا تفقد الأسرة الولد أو البنت وهما بينها يعيشان، ومعها يسكنان، وعلى مائدتها يأكلان، ولكن بلا عقل ولا روح.
* تبدل الأولويات في ذهنية الأسرة السعودية؛ إذ لم يعد الزواج- مثلاً- له الأولوية عند الشاب أو الفتاة السعودية كما كان الحال في السابق، بل صارت الدراسة والوظيفة في أعلى درجات السلّم.
* ضعف الروابط الأسرية خلاف ما كانت عليه الحال في السابق، إذ تُظهر بعض الدراسات المتخصصة –مثلاً- أن هناك عدم توافق بين الزوجين «ركني البناء»، وإن كان الكيان الأسري ما زال قائماً فإنه في الحقيقية كيان هش وضعيف ولا يتحقق فيه السكن والإفضاء بشكل يفي بمتطلبات الزوجين كما هو شرع الله.
* الانتقال من الأسرة الممتدة إلى الذرية، وما ترتب على ذلك من تبدل في المسئوليات والأدوار، واكتشاف ركني الأسرة ضعف البناء التكويني لكليهما حتى يتسنى لهما القيام بواجبهما الأسري كما يريده الطرف الآخر خاصة من طرف الزوجة.
* اختلال مفهوم القوامة الذكورية ودخول المرأة في مضمار المنافسة الحقيقية على كرسي القوامة وانبرائها لاتخاذ القرارات المفصلية والصعبة التي كانت في السابق مرهونة بالرجل.
* التقارب بين شخصية القرية والمدينة حتى ذابت الأولى في الثانية واختفت ملامحها تقريباً، في ظل توفر جميع مقومات الحياة المدنية لدى سكان القرى الذين نزح البعض منهم إلى المناطق الحضارية لسبب أو لآخر.
* مقاربة القيم الوطنية مع قيم المواطنة الدولية التي فرضها التقارب العالمي الذي لا يعترف بحدود أياً كان نوعها.
إزاء هذا الزخم من الأسباب والمبررات كان قرار مجلس الوزراء الموقر يوم الاثنين الماضي بإنشاء «مجلس شؤون الأسرة»، برئاسة معالي وزير العمل والتنمية الاجتماعية، وفي اعتقادي الشخصي أن أمام هذا المجلس مهام جسامًا على ضوء ما ورد أعلاه من أسباب تحمل في طياتها تحديات وربما عقبات، ولن ينجح هذا المجلس في الوفاء بمتطلبات المرحلة وفي ذات الوقت المحافظة على شخصية الأسرة السعودية بعيداً عن الاستلاب أو الانجذاب أو التخاذل والانحدار إلا إذا استطاع القائمون عليه التغيير المتدرج المبنى على التوعية والتثقيف للجميع «الآباء والأمهات والأبناء والبنات»، ومد جسور التواصل الحقيقي لا الشكلي مع الإعلام والتعليم خاصة، وإلا سيكون المجلس وما يتولد عنه من لجان وجمعيات ومستشارين ومتابعين وكتاب وموظفين للشكلية منه أقرب للفعلي الذي ينشده ولي الأمر ويتطلع له كل وطني مخلص، فالأسرة السعودية هي المتهم والمنقذ في ذات الوقت، ومتى أردنا القفز عليها فستكون جهودنا هباء، ونتائج أعمالنا غثاء، دمتم بخير، وإلى لقاء والسلام.