أحمد المغلوث
خرج الطفل حمودي من باب بيتهم الخشبي الكبير المزدان برؤوس المسامير السوداء ليتجه إلى حيث تنتظره طفلة الجيران كان يعرف بحسه الطفولي أنها تنتظره في (السباط) الذي يغطي الطرقة ما بين بيتهم وبيت جيرانهم أحدهما كان بيت (نعومي) وكانت تجلس القرفصاء على الدكة الجصية الملاصقة لجدار بيتهم الطيني.. نعومي.. نعومي هكذا كان يناديها الجميع بدءاً من والدتها ووالدها ومروراً بوالدته.. نعومي الاسم العذب الذي يحبه ويسعده عندما يرى صاحبته.. كانت صغيرة في سنه تقريبا لا يتجاوز عمرها الخامسة لكنها تحب اللعب مثله بل أكثر.. كم مرة تراكضا في الزقاق (الطريق) وكم مرة أحضرت له من حلوى والدتها التي تجيد عمل (الملتوت) بطعمها الحلو اللذيذ المشبع بالزعفران والهيل وحتى الغرفة وكم مرة شاركها أكل ما تعمله والدته من حلويات (الكليجا) والتمرية وخبز الحنيني..حتى أنهما تخاصما يوماً فهو يقول: كليجا أمي أحسن من ملتوت أمك وهي تقول العكس.. حتى كادا أن يمسكا بملابس بعضهما في عفوية طفولية محبَّبة.. لولا أن تدخل والده عندما كان عائداً من دكانه في قيصرية المبرز فقال لهما :كلاهما حلو ولذيذ عطوني آكل منه علشان أؤكد لكما ذلك.. فأجاباه في حياء. أبوي ما بقى منه شيء.. كله كلناه.. فضحك والده وهو يربت بيديه على رأسيهما وقال: الله يبارك فيكما عرفتما الآن أن كلاهما لذيذ.. عندها نظرا كلاهما إلى بعض فتبسّما في ودٍّ.. وفي اليوم التالي شاهد والد (نعومي) حمودي يجري خلفها في طريق ساحة البيت (الحوي).. فسأله غاضباً ومهدداً لماذا يجري وراءها.. عندها توقف حمودي خائفاً وَجِلاً وقال: يا عمي إنها قرصتني.؟! وهنا أشار والدها إليها بأن تقترب وهي تنظر إليهما من بعيد.. وجاءت بخطوات وئيدة خجلة.. تقدم خطوة وتؤخر خطوة.. وعندما وقفت أمامه سألها والدها: نعومي حبيبتي.. لماذا قرصتيه.. فأجابته وهي منكسة رأسها الصغير وإصبعها بين شفتيها علشان.. علشان.. يركض وراي. عندها تبسَّم والدها وحافظ على صمته للحظات وقال: بس يا نعومي لا تقرصيه مرة ثانية يكفي تقولين له.. تعال نلعب.. ثم أشاح والد نعومي بوجهه عنهما وابتعد وهو يفكر فيما فعلته ابنته الصغيرة من تصرف عفوي يعبر عن مدى روعة الطفولة وبراءة الصغار وراح يتذكر وهو في طريقه إلى صلاة العصر. كيف كان يلعب مع بنات (الحي) لعبة «الغمّيمَة « وكيف كان يجيد الاختفاء في غرف بيتهم أو بيت زوجته سارة. وكيف كانت هي الوحيدة منين البنات والأولاد التي تستطيع اكتشاف أين تخفَّى.. وراح يسأل نفسه هل يا ترى التاريخ يعيد نفسه ويتزوج «حمودي» ابن جارهم نعومي ابنته التي تعشق اللعب معه.. كما كان الحال مع والدتها معه.. وتوقف تساؤله عندما وصل إلى المسجد.؟!
تغريدة: الرجل المتميز هو الرجل المتواضع مهما كان مركزه أو حتى طبيعة عمله ما أجمل أن يكون الإنسان على طبيعته وسجيته أما التصنع والفشخرة فهي نوع من الزيف..؟!