أمل بنت فهد
ما أكثر التبجح بالعدالة والمساواة عندما يكون التنظير «والهياط» أسياد الموقف.. وعند معايشة المواقف.. تذبل العضلات البلاغية.. وتطل الحقيقة بوجهها البشع.. لكنها تبقى حقيقة.. وعلقم الصدق ألذ من عسل الكذب دون شك.. إلا من أعجبه دور المغفل.. وعند الحديث عن الطبقية والعنصرية والتمييز.. تتساقط الأقنعة عند أول اختبار في التعايش مع المختلف.. مشاعر قهرية تحجب حقيقة أنه مثلنا.. وقد يكون أفضل منا.. اللون واللهجة والعرق والمذهب والجنسية ووو وإلخ.. كلها اختلافات تضعنا أمام تحدٍ قاسٍ يرسم ألف صورة عن التشويه الذي طال مشاعرنا تجاه الاختلاف.. واستعباد التشابه لمشاعر الطمأنينة تجاه من يشبهنا.
على سبيل المثال: فكر قليلاً بشيء واحد تجد في نفسك انزعاج منه بسبب عنصرية خفية تعرفها عن نفسك.. منطقة معينة تنزعج من أهلها.. هل عاشرتهم كلهم؟ هل آذوك أذى جماعي؟ بالطبع مستحيل.. فما هو سر هذا الانزعاج الذي تجده منهم وتحاول أن تقول خلاف ذلك حين «تهايط» عن قدراتك الفذة في تقبل الاختلاف!
الكون كله يعيش على سر التنوع والاختلاف.. إلا أنت حين يكون الموضوع البشر الذين لا تعرف عنهم شيئاً.. ربما تكون ضحية تعبئة منذ الصغر.. وربما تكون متأثراً بما حولك ولا تستطيع أن تكون أنت الاختلاف ولا تجرؤ.. وكلها أسباب واهية.. لأن الحديث هنا ليس عن موقف تتخذه.. إنما عن شعور خفي تعرفه في نفسك.
أتعرف ماذا يفوتك حين تكون عنصري «خفي» أو حتى تعلن عنصريتك؟
قبل كل شيء أنت تحاول أن تقول أنا أفضل منهم.. دون أن تملك سبباً واحداً لتكون أفضل.. شعور عميق بالنقص يجبرك أن تنال من قدر الآخرين.. وكلما زاد الجهل زاد التشدق بالأفضلية على أساس معايير لا تملك منها أي شيء.. كالنسب مثلاً.. فما اخترت قبيلتك ولا مسقط رأسك.. كلها أمور فُرضت عليك.. وعارٌ عليك أن تتفاخر بما أجبرت عليه.
تقبل الاختلاف مرحلة من مراحل النضج النفسي والاجتماعي.. يأتي بعدها التوغل في المختلف واكتشافه.. والاستمتاع به وصولاً للاستفادة.. والانخراط دون أن تذوب الهوية.. فكل إنسان تاريخ من الخبرات والأفكار والتجارب.. فكيف بالمناطق والمجتمعات والمذاهب والأديان!
عزلة العنصري تهدده بتوقف التطور الذي ينعم به الذي لا يخشى المختلف.. الحصون التي يبنيها العنصري حول ذاته وأشباهه تعده بتكرار الحياة مهما طالت.. نسخ مكررة لكل شيء.. بالعربي الفصيح حياة مملة وتحدٍ لقانون الكون.. وكل ذلك دون قضية تستحق هذا الرعب أمام مواجهة المختلف وفهمه.
العنصري لا رأي له.. ومشاعره مستعارة ليست حقيقة وليست نابعة من قلبه.. إنما توارثها من أرضه التي لا تمل من محاولة نفض تراب المقابر.. سجين أسلافه الذين لا يعرف عنهم شيئاً عدا ما نقل له.. لذا كل حياته قائمة على المنقول.
فهل تعرف مدى عزلتك عن العالم؟