د.فوزية أبو خالد
أولاااا
هناك عدة أنواع من الضمائر في اللغة وفي الحياة من ضمير ظاهر إلى الضمير المستتر ومن الضمير المنفصل إلى الضمير المتصل لكن الضمير الذي لاغنى عنه لا لمجتمع ولا لدولة بما يعزز الوحدة والوطنية ويديم عز الوطن ويأخذ بيد البلاد إلى المستقبل بسلم أهلي وتعاضد سياسي واجتماعي بين كافة القوى الوطنية عمريا ونوعا اجتماعيا ومهنيا من التاجر إلى العامل ومن الموظف إلى الطلاب هو الضمير الحي . فالضمير الحي إلى من يهمه الأمر قادر على صنع المعجزات الوطنية.
أكتب هذا الكلام وأحاول أن أقنع عقلي بأن ذلك ليس بهدف تقديم معروض يتخذ شكل مقال, كما للأسف جرت العادة قبل ثورة التواصل الاجتماعي. فقد كان عدد من الكتاب يضطر أن يلجأ إلى كتابة معروض في مقال , بهدف وصول قضية اجتماعية ما إلى عيون المسؤول عنها أو عن من تسبب في لواعجها عل الله يقيض ذلك المسؤول لحلها, إن سخره الله وكان من فئة الميسرين وليس المعسرين في زمرة او كوكبة أهل الحل والعقد.
ولكن الواقع الذي لا مناص من الاعتراف به وأن هاجت علي كل أنواع حساسية الكرامة أنني برغم توفر وسائل التواصل الاجتماعي أروم من كتابة هذا المقال أن يصل الأمر لمن حملهم الله ثم البيعة أمانة ولاية الأمر ليجدو حلا عاجلا لما يشكل « قضية ضمير عام « لفئة مهنية فعالة من قوى البناء الوطني.
ثانيااااا
وهذه الفئة المهنية هي من المواطنون العاملون في قطاع الصناعة التكميلية بالمنطقة الصناعية الشمالية من ورش تصليح السيارات بمدينة جدة/ المنطقة الغربية. وهي فئة مهنية أخذ شبابها المطالب الوطنية والمناشدة الإعلامية للشباب السعودي بعدم الارتهان للوظيفة والانخراط في شتى مجالات العمل بما فيها العمل اليدوي الصناعي مأخذ الجد وانخرطوا في هذا المجال من العمل الصناعي رغم أن منهم من يحمل شهادات عليا /جامعية وماجستير في تخصصات علمية مختلفة. ومنهم من لا يكتفي بملكية» الورشة» واستعمال أيد عاملة أجنبية كما تشاع الاتكالية عن الشباب السعودي, بل إنهم في تحد صريح لذلك التصنيف الجائر لقوى العمل السعودية , قد انخرطوا في العمل بصناعية ورش السيارات بأنفسهم. فخلعوا ثياب» الزقرته والتكشخ « ولبسوا البدل الزرقاء مشمرين عن سواعدهم الأبية في حر مدينة جدة وشمسها الشرسة ورطوبتها اللزجة ليكسبوا لقمة حلال نزيهة بكد اليمين وعرق الجبين بما فيهم من انتخبوا و عملوا شيوخا لهذه الطائفة العاملة في صناعة السيارات التكميلية والضرورية.
ثالثاااااا
أما قضية هذه الفئة الشبابية العاملة في هذا القطاع التصنيعي التي أستصرخ الضمير الحي لكل مسؤول عنها لحلها فهي (قضية إقفال باب العمل والرزق لهذه الفئة لأجل غير محدد). بما أحاول أن أختصره في السطور التالية:
القضية باختزال أرجو الا يكون مخلا تتلخص في أن صناعية ورش السيارات الشمالية (النزهة ) قد جرى إغلاقها عنوة بنهاية شهر شعبان مما نتج عنه إغلاق أبواب الرزق لأصحابها وعمالها في شهر رمضان الفضيل . وقد جاء إغلاق هذه المحلات بناء على أوامر من البلدية/ بلدية مدينة جدة.
فقد جاءت إلى موقع الصناعية المقصود لجنة مكونة من البلدية وعدة جهات حكومية وشرعت في إغلاق المحال ولم تستجب لأي من محاولات الاستفهام او طلب التريث من أصحابها واكتفت بالإشارة إلى أن من لديه اعتراض على تنفيذ أوامر الإغلاق بالامتثال وتطبيق إغلاق المحل وبعده يمكنهم التوجه إلى بلدية فرع المطار للاحتجاج وتقديم معاريض الاعتراض. هذا فيما أفادت البلدية الفرعية عند توجههم إليها أن ليس من شأنها استلام مثل تلك المطالب ناهيك عن معالجتها.
وبعد تخبط بين الجهات التي قد تكون مسؤولة مسؤولية فعلية عن الموقف على أمل أن يكون بمقدورها معالجته لتكون الخصم والحكم أفادت البلدية الفرعية أنها مسؤولة فقط عن تطبيق القرار بإغلاق محال الصناعية عن بكرة أبيها, حيث جرى فعلياً بعد قليل من الوقت من بدء إجراء الإغلاق تجريد المحال من لوحاتها التعريفية ووضع بتر إسمنتية حاجزة أمام فتحات المحال وأبوابها , تمنع اصحاب المحال وعمالها وعملائها من الاقتراب من أي ورشة أو ما كان ورشة رغم وجود معدات العمل بداخلها، حيث ليس من مكان آخر تنقل إليه المعدات وهذا هو الجزء الآخر الذي لا يقل تعسفا عن الجزء الأول فيما بقي لنا تناوله من هذه القضية الضميرية الشائكة.
رابعااااا
تم توجيه أصحاب المحال الصناعية المتضررة وهذا يشمل جميع أصحاب ورش تلك المنطقة والعاملين بها وممثليها بعد رفض استلام أي من اعتراضاتهم السلمية, إلى الإدارة الصناعية بمنطقة عسفان التي تبعد 50 كيلو مترا عن مدينة جدة وهي المنطقة التي يفترض أن تكون الموقع البديل لتلك المنطقة الصناعية التي صودرت واتخذ بحق محالها كل اشكال التجريف لاستكمال إجراءات الترحيل.
هناك في عسفان حيث كان يفترض اختيار الورش البديلة على المجسم والاطلاع على عروض التأجير وتوقيع العقود اتضح أن المنطقة ( خلى خالي ورب عالي) باستثناء وحيد هو صبات بنى المحلات. ولم يكن هناك تسليم فعلي للورش فقد قالوا إن عملية التسليم الأولى لصناعية عسفان تختص ب327 ورشة وتتم إجراءات التسليم في مدى 9 شهور بتسلسل ثلاثي للأشهر . مما كانت ترجمته حرفيا إيقاف العمل لآجال مؤجلة. هذا بجانب أنه لو كان التسليم فوريا فقد كان هناك عدة مشاكل منها على سبيل العينة:
- مشكلة عدم توفر بنية تحتية للمنطقة لا ماء ولا كهرباء ولا عمران, فلا مساكن للعمال ولا مواقع لبيع حاجات المأكل والمشرب الأساسية.
- مشكلة غياب أي خدمات مساندة لعمل الورش الصناعي مثل محلات بيع قطع الغيار وما إليه.
- مشكلة صغر حجم الورش المتاحة بما لا يزيد عن 150 متراً للورشة الواحدة، وبما لا يسمح باستئجار أكثر من موقع، ناهيك عن الغلاء الخيالي في أسعار التأجير بما يصل لحد 600 ريال للمتر الواحد.
- مشكلة ضآلة القدرة الاستيعابية عدديا لمنطقة الورش الصناعية المعروضة للإيجار بالمنطقة البديلة مقارنة بعدد الورش الصناعية القائمة بمنطقة صناعية الشمال التي كانت تزيد على 2000 ورشة صناعية.
خامساااا
وبعد فهذا قد لا يكون الفصل الأخير في هذه القضية الملحة أمام ارتباك عمل وتوقف مصدر رزق عوائل طائلة لأصحاب وعمال ما يزيد على ألفي ورشة من ورش الصناعية الشمالية.
ويقول عدد من أصحاب هذه المعاناة الإنسانية والتي أرى أنها أحد أوجه التجارب الموجعة من تجارب أبناء الوطن في محاولتهم لأن يكونوا جزءاً من عملية التنمية لاستنهاض البلاد بأيديهم وليس بأيد خارجية, أن هذا الوضع ناتج عن عدم إشراكهم في مخططات العمل التطويري، ولو جرى ذلك لكان المفترض إعداد المنطقة البديلة أولا بشكل لائق للعمل الصناعي والتنموي ثم نقل الصناعية القديمة إليها دون وقوع أصحاب المحلات في فجوة تجميد العمل وإغلاق ابواب الرزق في وجوههم بوقت قد يطول لريثما تصبح المنطقة الجديدة حقاً مستعدة لتدشين العمل بها. ويقول بعضهم الآخر ربما يعود ذلك لوجود بطانة توحي لصاحب القرار بجاهزية المنطقة لاستقبال العمل الصناعي بها بينما الأمر على أرض الواقع غير ذلك. وفي هذا ادعو أمير المنطقة للتفضل بزيارة الموقع الصناعي في عسفان والاطلاع ميدانيا على الواقع كما هو قائم لا كما يقال.
وليس أخيرااا
ونقول نحن هذه فئة وطنية عزيزة علينا وعزيزة نفس وهي فئة مهنية مهمة للوطن وهي الفئة الشبابية التي اجترحت العمل الصناعي اليدوي ولابد من دعمها ومساندتها لوجستيا وسياسيا لتدور عجلة التنمية و لئلا تكون رؤية 2030 من أحلام الصحو ليس إلا . ولذا لابد لابد لابد من تصحيح الوضع العالق بين صناعية أقفلت في وجه أصحابها وبين صناعية لم ُتعد بعد ولابد من أن يكون الحل بأسرع وقت ممكن قبل أن ينفض أصحاب العمل يدهم من الأمل. وذلك لو حدث لا سمح الله لن يكون في صالح المواطن وليس في صالح الوطن فالفارق كميا ونوعيا معا بين خطورة اليد العاطلة وبين خصوبة اليد العاملة في عملية استقرار الدول والمجتمعات وتقدمها. ولله الأمر من قبل ومن بعد.