فضل بن سعد البوعينين
أصبحت المواقع والتطبيقات الإلكترونية جزءًا من منظومة تجارة المخدرات وتسويقها. شعبيتها الجارفة ووجود المراهقين والشباب فيها دفع المروجون إلى استهدافها والاعتماد عليها كمنافذ فاعلة لتسويق المخدرات أو الإيقاع بالمراهقين ممن لم يدخلوا عالمها بعد.
سهولة الوصول إلى الكم الأكبر من المستهدفين؛ وإمكانية التخفي؛ والتخاطب مع الآخرين بلغة عصرية تعتمد التقنية أساسًا لها جعل من المواقع والتطبيقات الإلكترونية مركزًا مهمًا من مراكز ترويج المخدرات؛ وفرض على الجهات الأمنية التعامل مع الواقع الافتراضي بأدواته الحديثة لحماية المجتمع من خطر المخدرات؛ والجماعات المنظمة التي باتت أكثر احترافية في تعاملها مع الأسواق المستهدفة؛ وفي مقدمها السعودية.
من مخاطر استخدام المواقع والتطبيقات الإلكترونية قدرتها على اختراق حواجز الحماية المجتمعية والأسرية؛ حيث يمكن لمروجي المخدرات من خلال التطبيقات الإلكترونية الوصول إلى جميع أطياف المجتمع؛ والشرائح العمرية بسهولة وبعيدًا عن أعين الرقيب؛ وحواجز الحماية الأسرية المشددة. إمكانية التوسع في حمل المراهقين والشباب من الجنسين على تجربة المخدرات أكثر سهولة في المواقع الافتراضية حيث الفضاء المفتوح للجميع؛ وإذا ما ربطنا عمليات التسويق بالتوصيل التي يمكن تغطيتها بمنظومة توصيل وجبات المطاعم للمنازل يصبح الأمر أكثر سهولة على من يريد استهداف المجتمع بسمومه القذرة..
إغراق مجتمع ما بالمخدرات كفيل بتحويله إلى «مجتمع فاشل» على المدى المتوسط؛ خاصة مع تركيز المروجين على الأطفال والمراهقين؛ لضمان قاعدة الطلب المستدام؛ وأحداث الأثر الأكبر في المجتمع. حجم المخدرات المضبوطة محليًا، يُشير بوضوح إلى حجم الطلب على المخدرات وبالتالي عدد المتعاطين.
الأمين العام للجنة الوطنية لمكافحة المخدرات «عبدالإله الشريف» أكَّد في تصريحات صحفية «أن التطبيقات الإلكترونية أصبحت ساحة افتراضية لترويج المخدرات والخمور بشكل واضح وشائع»؛ وأن برنامج «سناب شات» هو الأكثر استغلالاً؛ حيث وصل عدد القضايا المضبوطة من خلاله إلى ما يقرب من 23 قضية خلال خمسة أشهر. قد تتغير أهمية التطبيقات الإلكترونية بتغير مزاج الشباب حيالها؛ فمن سمات التطبيقات الإلكترونية الظهور السريع والتلاشي مع ظهور تطبيقات منافسة؛ ما يفرض على الجهات المسؤولة استمرارية البحث بعمق في جميع التطبيقات والمواقع الإلكترونية ومواكبة التغيرات السريعة في العالم الافتراضي لضمان تحقيق الكفاءة المرجوة.
أجزم أن المديرية العامة لمكافحة المخدرات تأخذ المتغيرات التقنية؛ والمجتمعية وخطط المروجين الحديثة في الاعتبار حين مراجعتها برامج المكافحة والإجراءات الأمنية النوعية. يمكن لمتابع أنشطة برنامج المشروع الوطني للوقاية من المخدرات «نبراس» أن يجد في بعض جوانبه تركيزًا على المتغيرات التقنية الحديثة في جانبي التوعية والرصد. الرصد والربط الشبكي يمكن أن يوفر قاعدة ثرية من المعلومات المجتمعية؛ التي يمكن أن تستثمر بشكل كبير في الوقاية والمكافحة. برنامج الإعلام الجديد لإدارة الإعلام وصناعة المحتوى توفر قنوات فعالة للتخاطب مع مواقع التواصل الاجتماعي وتحليل محتواها ورصد ما يظهر فيها من مواد مرتبطة بالمخدرات إنتاجًا وتهريبًا وترويجًا وشراءً. الانتقال من العمل التقليدي إلى العمل التقني المتطور يساعد بشكل أكبر في قطع الطريق على المروجين الأكثر تفاعلاً مع المتغيرات التقنية والمجتمعية. ربما يكون لبرنامج الأسرة والطفل دور فاعل في حماية النشء من خطر ترويج المخدرات عبر المواقع والتطبيقات الإلكترونية؛ وهو أمر لم تتنبه له الأسر برغم مخاطره المرتفعه وآثاره المدمرة على الأمن والمجتمع. برنامج «نبراس» ربما وقع أمام تحدٍ جديد ما يفرض عليه التركيز الأكبر على المواقع والتطبيقات الإلكترونية. فيشكل خط دفاع أولي لحماية الأطفال، المراهقين، والشباب وأسرهم من مروجي المخدرات المرتبطين بالأسواق الإلكترونية، والأدوات غير التقليدية. رصد المواقع والحسابات المشبوهة واستثمار التطبيقات لتكون منصة رئيسة للمكافحة والتثقيف بمخاطر المخدرات في أن أمر غاية في الأهمية.
تحول المخدرات إلى سلاح في يد العدو أسهم في خلق عصابات منظمة لتهريب وترويج المخدرات إلى السوق السعودية. قد تكون السوق الإلكترونية أحدثها؛ إلا أنها لن تكون الأخيرة ولا شك. التقاء مصالح المهربين والمروجين؛ بمصالح الدول المارقة التي تستخدم المخدرات كسلاح تدميري للمجتمع؛ يسهم في خلق سوق قسرية للمخدرات؛ من خلال التسويق النوعي؛ وجهود العصابات المنظمة في حمل الأطفال والمراهقين على الإدمان؛ لضمان استمرارية الطلب؛ واتساع شريحة المتعاطين وسوق المخدرات ما يسمح بضخ كميات كبيرة منها؛ وأحداث مزيد من التدمير للمجتمع.
الحرب الإلكترونية على المخدرات لن تقل أهمية عن مواجهتها الميدانية؛ فمن خلال ال مواقع الافتراضية والتطبيقات الحديثة يمكن محاصرة مروجي المخدرات والساعين لنشرها بين المراهقين والشباب بهدف زيادة حجم شريحة المتعاطين في المجتمع.
ما زلت أعتقد أن الكشف الطبي الإلزامي في مراحل التعليم المختلفة؛ طلب الزواج؛ والعمل قد يساعد كثيرًا في وقف نمو شريحة متعاطي المخدرات خشية افتضاح أمرهم؛ أو فقدانهم فرص التعليم؛ والزواج والعمل؛ ما يجعلهم أكثر حرصًا على تجنبه؛ وأكثر معرفة بالمخاطر المتوقع مواجهتها مستقبلاً.