هاني سالم مسهور
أفلتت تركيا من فخ 15 يوليو، هذه هي الحقيقة الكبيرة فالسقوط لو حدث فيما تم التخطيط له يعني أن تركيا ستدخل نفقاً كما دخلته دول أخرى ما زالت تعاني وهي تبحث عن مخارج لها من مجاهيل الانزلاق التي وقعت فيه دول أخرى تبدو سوريا والعراق أقربها كنماذج لمدى الفوضى التي تعاني منها، ولم يكن الخشية على الديمقراطية التركية بل على تركيا الدولة والنظام، فمن التجاهل اعتبار أن الديمقراطية في تركيا تعيش حياة جيدة في السنوات الأربعة الأخيرة فالأزمات التي تعصف بالحياة السياسية التركية لا يمكن إخفاؤها. تفيد معلومات استخباراتية أن الأتراك حصلوا على معلومات مهمة من جانب الفرنسيين قبل ساعة الصفر بثمانية وأربعين ساعة، وتلخصت المعلومات بأن مجموعة من العسكريين الاتراك يستعدون لانقلاب على السلطة، ولذلك لم تتفاجأ الاستخبارات التركية بالانقلاب وتعاملت معه بشكل سريع، في حين أن أسئلة مثارة خرجت عبر عشرات المحللين السياسيين عن كيفية قدرة الجنرالات والضباط بالتخطيط لهذه المهمة وتوزيع الأدوار والمهمات من دون رصد الاستخبارات لتحركاتهم، خاصة وأن المتهمين بالسعي للانقلاب هم المنتمون لجماعة فتح الله غولن.
المشهد لم يتوقف عند هذه النظرة، بل إن موعد الانقلاب كان مفاجئاً، نهاية الأسبوع والساعة العاشرة ليلاً، وعادةً ما تحدث الانقلابات في ساعات الفجر لخلو الشوارع من الناس مما يسهل السيطرة الميدانية، وبدلاً من قطع الإنترنت والسيطرة على كل وسائل الاعلام، وقفت دبابتان في جسر البوسفور لقطع الطريق فقط..!!، كما أن الانقلابيين لم يسعوا للقضاء على خصومهم السياسيين بل نزلوا إلى الشوارع يواجهون الآلاف من السكان..!!، هذه النوعية من التساؤلات المثارة قد تصب في خانة التشكيك بوجود انقلاب حقيقي، وقد تذهب بنا إلى قدرة الاستخبارات التركية على إحكام قبضتها على الأوضاع، وهذا يحسب لها بالتأكيد.القراءة الصحيحة للحالة السياسية التي عاشتها تركيا ليلة 15 يوليو أنها كانت على «كف عفريت» فمنطقة الشرق الأوسط ليست بحاجة لتوتر جديد، فكيف باختلال الوضع التركي؟، لذلك فإن ما حصل هو أن تركيا تجاوزت مفصلاً عسيراً دونما شك، وأن الديمقراطية التي تتخبط في الحياة السياسية التركية ليست على ما يرام، يضاف إلى ملفات الضغط الثقيلة التي تمثلها عمليات الإرهاب والتي كان آخرها استهداف مطار كمال أتاتورك.
مرت الليلة العصيبة ليصحو الأتراك أمام حساب عسير يبقي الرئيس اردوغان محاطاً بارتدادات المشهد الانقلابي، فالإجراءات المتخذة ضد عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين تؤشر على أن «الديمقراطية» تعيش أزمة شديدة الخطورة في تركيا، وتحول المتابع للمشهد التركي سياسياً إلى أن يضطر لقراءة المسارات التي على الحزب الحاكم اتخاذها بعد أن كُنا نرصد التقارب التركي والروسي، وعودة العلاقة مع إسرائيل، والحديث عن موافقة أنقرة على بقاء الأسد رئيساً لفترة قصيرة، كل هذه المعطيات برغم حجمها الكبير تصاغرت بعد ليلة 15 يوليو فكل الأولويات تبدلت وتعين على الجميع مراقبة مدى قدرة «الديمقراطية» على الصمود.