أ.د.عثمان بن صالح العامر
من كثر ما يتحدث الناس كل الناس «الصغار والكبار، النساء والرجال، المثقف والعامي» هذه الأيام في أمور السياسية الداخلية والخارجية، خاصة بعد الأحداث الأخيرة سواء ما كان منها متعلقاً بالانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، أو له صلة بمسلسل العمليات الإرهابية «الأروبي منه والعربي، الداخلي والدولي، الداعشي والشخصي».. أقول من كثر ما أسمع من حوارات وأحاديث، وأقرأ من تحليلات وتعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو في المنتديات واللقاءات الخاصة والعامة الثنائية والجماعية.. جراء هذا الزخم السياسي الذي أصبح وجبة دسمة لكل منا في مجتمعاتنا المحلية راودني شعور قوي بأن الإنسان السعودي صار اليوم «كائن سياسي» أكثر منه إنسان ثقافي.. اقتصادي.. أو حتى اجتماعي، مع أن كلامه هذا وتحليله الذي يستميت في الدفاع عنه، وربما غضب من أجله وأغضب غيره، عربد وزمجر، لن يقدم شيئاً ولن يؤخر، فهو لا يعدو - في حقيقة الأمر - أن يكون مجرد اجتهاد شخصي لا يتعدى دائرة الفضفضة «كلام شبات» التي لا تسمن ولا تغني من جوع، حتى ولو كان قائله مثقف بامتياز، وكاتب من جيل الرواد.
أحياناً يتولد عن هذا التجاذب الذي قد يكون حاداً بين الأصدقاء والأقارب، الحكم على النوايا، والشق عن القلوب، وإنزل السيف على الرقاب جراء التصنيف التعسفي وتحديد بوصلة الانتماءات الذاتية «الشخصنة».. وربما تعدى الأمر في هذه الحوارات المفتوحة إلى التخوين والمزايدة على المواطنة الحقة، وهذا في النهاية ليس في مصلحة الوطن ولا يعكس صدق الانتماء، فهو فضلاً عن أنه يهدد اللحمة الوطنية ويضعف الكيانات الأسرية قد يؤثر سلباً على مواقفنا السياسية التي تتخذها الدولة بشكل رسمي معلن ومصادق عليه.
إن من المصلحة أن يطور كل منا ذاته، ويثقف نفسه، ويصرف جهده للتنمية المستدامة في المجال الذي هو فيه، وأن تكون حواراتنا فيما يحقق المصلحة الوطنية الآنية والمستقبلية، فنحن بحاجة إلى ما يجمع لا ما يفرق، وما يبني لا ما يهدم، وللسياسة رجالها، وللسفينة ربانها، ولمتابعة التوجهات ورصد التحركات جهات ذات اختصاص، ومواقفنا السياسة الوطنية لا يمكن أن نحددها نحن العامة في هذا المضمار المفصلي الهام، وفي هذا التوقيت الحرج بالذات، بل هناك من وكل ولي الأمر أمرها لهم، وهم مسئولون عنها دون غيرهم أمام الله أولاً ثم أمام ولي الأمر الذي وثق بهم وأمام الشعب والعامة في هذا الوطن المعطاء المبارك «المملكة العربية السعودية»، وهم ولله الحمد والمنة يسجلون بكل فخر واعتزاز نجاحات متتالية سواء على المستوى الداخلي أو الدولي بشهادة الجميع.
لا يعني هذا ألا يكترث الإنسان بما يحدث حوله، ولا يهتم بشأن غيره «فكل منا رجل أمن» - كما هي مقولة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز «رحمه الله» - ولكن لا يكن هذا صارفاً للواحد منا عن عمله الأساس ومجاله الأهم الذي وكل إليه، ولا ملغياً لاهتمامه بجوانب التنمية الأخرى، ولا مسبباً للتشاحن والبغضاء بين بعضنا البعض، ولا معوقاً لمد جسور التواصل مع شرائح المجتمع المختلفة، ولا مولداً لحاسة جديدة عند هذا الإنسان يحكم بها على الناس، تصل به الناس وتقطع، تجمع وتفرق على أساس من الظن، وربما الأوهام والشكوك، وقد يصل الأمر بصاحب الحاسة المخادعة أن يقّول الناس ما لم يقولوا يوماً ما.
الشيء المجزوم به قطعاً والذي اختم به هذا المقال أننا في مرحلة حرجة ودقيقة، وهناك من يرصد علينا أنفاسنا، ويسجل مواقفنا، ويجمع ما نغرد به وندندن حوله، ومن ثم يقارن ويحلل، وقد نضر بمصلحة الوطن ونحن لا نشعر، أو من حيث أردنا الخير في ظننا القاصر ونظرتنا السياسية الضيقة، فلنكن على حذر، ولنفكر كثيراً قبل أي موقف نتخذه، أو حرف نكتبه، أو نسج نبدعه فنكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.
إن كلمات الشكر تتقازم أمام الجهود التي تبذل من قبل قيادتنا العازمة الحازمة والدوحة السعودية المباركة، ورجال الأمن وجنودنا البواسل، ولا نملك لهم ونحن نرى حجم ما يبذلون من أجلنا وفي سبيل سلامة واستقامة الدين ورفعة وعز الوطن وأمن ورخاء المواطن إلا الدعاء بالنصر والتمكين والعز والسؤدد وطول العمر والبطانة الصالحة والكلمة الموفقة الدامغة، حفظ الله قادتنا وحمى بلادنا وأدام عزنا ونصر جندنا وأعلا رايتنا ووقانا شر من به شر ودمت عزيزاً ياوطني وإلى لقاء والسلام.