د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
ما أن يقع حادث إرهابي إلا وتسارع وسائل الإعلام الغربية، قبل ثبوت الحقائق والوقائع، إلى إشاعة أن مرتكب الحادث متطرف إسلامي، ويظهر شهود، أو ربما يطلب من أناس أن يشهدوا، أنه كان يصرخ «الله أكبر» أثناء قتله للأبرياء، وتأخذ الإشاعة من كثر التكرار طابع اليقين في أذهان المتلقين. وبمجرد اتضاح حقيقة المجرم وأنه مواطن أروبي أو أمريكي، ويعيش حياته بشكل غربي أكثر من الأوربيين والأمريكيين أنفسهم حتى يسارع متصل من داعش بتبنى الموضوع، وتبدأ التأويلات بكيفية التحولات المفاجئة في سلوكه من رجل ماجن يتعاطى كل المحظورات الدينية والأخلاقية إلى جهادي إسلامي يرتكب عملية انتحارية هدفها الوحيد قتل المدنيين ولا غير. وبالطبع يموت الإرهابي في كل عملية قبل أن يقبض عليه ويتم التحقيق معه!
منفذ مذبحة فلوريدا في يونيو من هذا العام، مثلاً، ولد ونشأ في أمريكا ولم يعش في أي دولة إسلامية، وقد فصل قبل العملية من شركة أمن أمريكية تركت سلاح الجريمة معه، وتمت العملية في مرقص للشواذ كان الشاب يرتاده، وظهر له فيما بعد من يدعي أنه «عشيقه» من منسوبي المرقص، فما مغزى أن يرتاد شاب مسلم لسنوات مرقص للشواذ؟ وما دوافع الجريمة؟ والمجزرة الأخرى ارتكبها فرنسي من أصل تونسي عرف عنه ممارسة العنف، وتعاطي المخدرات، وغيرها من المحرمات، والجريمة تمت في 14 يوليو، يوم العيد الوطني لفرنسا، ولم يتطرق أحد لهذا التوقيت. ثم ذكر المدعي العام الفرنسي «فرانسو مولانس» أن الشاب لم يعرف عنه أي صلة بجماعة إسلامية ناهيك عن جماعة متطرفة، وأكدت هذا الكلام زوجته الفرنسية التي خضعت للتحقيق، فصرحت الحكومة الفرنسية أن تعرض لوجبة «تطريف سريعة» «Radicalization express»!! مع العلم أن المدعي العام ذكر أن التخطيط للعملية تم قبل 40 يوماً. أما حادثة ميونخ الألمانية فقد تكهنت وسائل الإعلام الغربي بشكل يشبه اليقين بأن مرتكبها مسلم عربي متطرف وعندما اتضح أنه شاب إيراني تغيرت لهجة الإعلام كلياً.
ولا يملك أي عاقل إلا ويشجب مثل هذه الأعمال المشينة بأقوى العبارات مهما كانت أهدافها أو جنسية من يقوم بها. ولكن بالمقابل لا يمكن لوسائل الإعلام استغلال هذه الحوادث بشكل استثنائي لتأليب شعوب بلادها ضد العرب والمسلمين، وتعميق الزينوفوبيا والإسلامفوبيا، وتصوير جميع العرب والمسلمين على أنهم إرهابيين محتملين. ومن غير المنطقي أن يختفي التحريض والاتهام بالإرهاب بمجرد أن يتضح أن المجرم الإرهابي ليس بمسلم ولا عربي. فالإرهاب واحد والجريمة لادين ولا جنسية له. والبشر لا يخضعون لعمليات «تطريف سريعة» كما ذكرت الحكومة الفرنسية عندما اتضح تناقض تصريحات مسؤوليها مع ما توصلت له نتائج تحقيق المدعي العام. وقد كان مصطلح «التطريف السريع» الذي صكته وزارة الداخلية الفرنسية مجال تندر للفرنسيين أنفسهم في وسائل الإعلام الاجتماعي.
الحقيقة الغائبة أو المغيبة هي أن الغرب في حرب لا هوادة فيها مع الشرق، حرب ظاهرها الحرب ضد الإرهاب وباطنها الحرب من أجل المصالح والأطماع. فمنطقتنا تمت استباحتها بالكامل في ظل اختلال التوازن الدولي، والمدنيون، أطفال ونساء وشيوخ، يقصفون بالطيران ويقتلون بشكل مجاني مريع غير مسبوق. ولجميع أجهزة مخابرات الدول الغربية أطراف تحركها في مناطق الصراع. ففرنسا ما زالت تقصف في ليبيا وتشاد مثلما تقصف أمريكا السنة المدنيين في العراق وسوريا واليمن وأفغانستان. والدول الغربية تقصف هذه المناطق بالأسلحة القديمة غير الدقيقة التي تريد التخلص منها في مستودعاتها، ولذا فهي تحتاج لحجج ومبررات تسوق بموجبها لشعوبها بشاعة القصف فتوحي لهم، بنوع من التعميم المخل، أن المنطقة بؤرة تولد الإرهاب، وأن من تعيش بها شعوب لديها نزعة ثقافية وحضارية للإرهاب، وأن القصف هدفه حمايتهم من إرهاب محتمل.
كما أن معظم هذه الدول ذات تاريخ استعماري وتوجد بها أقليات دينية وعرقية كبيرة من مخلفات مستعمراتها، أقليات أفرادها مواطنون دستورياً لا فعليا. فيعيشون اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً على هامش المجتمع. وهذه الدول، رضينا أم أبينا، هي في عمقها دول عرقية مسيحية بيضاء. وتتعرض الأقليات غير البيضاء وغير المسيحية فيها لتفرقة عنصرية واقتصادية واجتماعية دائمة. وهي تعزل الأقليات في أحياء خاصة بهم وتمنع عنهم الوظائف بحجة الحرية الاقتصادية ثم تتهمهم في الوقت ذاته بعدم القدرة على الاندماج، ولا تتهم الأغلبية البيضاء المسيحية برفض اندماجهم. وهذه الفئات المهمشة هي الأكثر تضرراً من الأزمات الاقتصادية، والأقل انتفاعًا من الانتعاش الاقتصادي. ولذا نجد أن هذه الأقليات تحاول الانكفاء والرجوع لبلدانها وثقافاتها الأصلية التي ترفضها أيضًا لأنها أوروبية. وهنا نستطيع أن نجد بعض القواسم المشتركة بين علميات قتل السود لرجال الشرطة في أمريكا، وعمليات العنف المقيتة التي تمت في أوربا. فالعرب هم سود فرنسا، والآسيويون سود بريطانيا. لكن الغرب يتنصل من أي دور له في تصاعد العنف، وبمساعدة المجانين من المتحدثين باسم المنظمات الإرهابية في منطقتنا، ينسب العنف لنا ولثقافتنا بشكل كامل.