تتفاقم عاماً بعد عام مشكلة النزوح من الدول التي تشهد نزاعات مسلحة كجمهورية الكونجو الديمقراطية وإفريقيا الوسطى والصومال وسوريا والعراق وأفغانستان وغيرها. وفي خضم هذه الظاهرة يقف المجتمع الدولي أمام المشكلة عاجزا عن فعل شيء لوقف هجرة النازحين بحرا وبرا. ووفقا لأرقام مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإنَّ نحو 60 مليون نازح غادروا بلدانهم هربا من الحروب والنزاعات المسلحة متجهين إلى بعض دول العالم الثالث، مما يشكل أعباء اقتصادية مضاعفة على الدول المستضيفة مثل الأردن ولبنان وتركيا. في حين تستقبل دول الاتحاد الأوروبي فقط مليون نازح من إجمالي عدد النازحين، وتغلق بعض دول الاتحاد الأخرى حدودها في وجه اللاجئين.
ووفقا لإحصائيات المفوضية فإنَّ 10.000 نازح ماتوا غرقا أثناء رحلتهم على القوارب باتجاه السواحل الأوروبية. والغريب ان حكومات هذه الدول التي يغادرها النازحون لا يفعلون أي شيء لمنع مواطنيهم من التعرض لمخاطر عبور البحار والمحيطات باتجاه الدول الأخرى. كما ان هذه الدول لا تتخذ إجراءات رادعة وحازمة لوقف تجارة تهريب البشر التي تزدهر كلما اندلعت النزاعات المسلحة في دول إفريقيا وبعض الدول الآسيوية، حيث يتم تهريب أعداد كبيرة من العائلات والأطفال على قوارب صيد متهالكة وغير صالحة للإبحار، فضلا عن احتمال تعرض هذه القوارب لأمواج متلاطمة في عرض البحر مما يعيق مهمات رجال خفر السواحل بتقديم المساعدات العاجلة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ما نراه حتى الآن هو فشل لجهود المجتمع الدولي في تقديم أي حلول عاجلة سوى بعض الإعانات المالية للدول المستضيفة التي تتحمل وحدها مسؤولية استقبال وإيواء هذه الأعداد الكبيرة من النازحين الهاربين من ويلات الحروب والظلم والاستبداد بحثا عن الأمن والحرية والسلام والحياة الكريمة.
وفي انتظار ما تسفر عنه الجهود الدولية في إيجاد حلول سياسية للنزاعات المسلحة في الدول التي غادرها النازحون، نجد ان مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تبذل ما بوسعها لتقديم المساعدات المشتملة على مخيمات ومواد غذائية وصحية لا تفي بحاجة كل النازحين في المخيمات ومراكز الإيواء. كما تسعى المفوضية إلى التنسيق مع الدول المستضيفة لبناء مزيد من المخيمات وإيصال الخدمات الأساسية والضرورية لها.
وفي ظل المساعي الدولية التي فشلت حتى الآن في وقف الحروب الأهلية، وفي ظل عجز الأمم المتحدة عن القيام بدورها في مواجهة تدفق اللاجئين إلى الدول الأخرى وتحسين ظروف معيشتهم، فإنَّ العالم يكون مهددا بخطر تفاقم هذه المشكلة على الاقتصاد العالمي وعلى الأمن والسلم الدوليين.
لا اعتقد ان المجتمع الدولي سيتمكن من إيجاد حلول عاجلة ونهائية لأزمة اللاجئين والنازحين طالما استمرت النزاعات والحروب الأهلية في دول الشرق الأوسط وإفريقيا. ولا يمكن لهذه الظاهرة ان تزول إلا في حالة انعقاد مؤتمر عالمي يتم من خلاله الاتفاق على وضع خريطة طريق ترسم توزيعا جغرافيا محددا لمناطق اللجوء بحيث يتألف من ست مناطق آمنة في كل قارة من القارات الست في العالم، على أن تساهم جميع دول العالم في إنشاء صندوق خيري يتم من خلاله تمويل مشروعات اقتصادية لإيواء النازحين وتوفير سبل الحياة الكريمة لهم. وحينما تنتهي تلك النزاعات في الدول المصدرة للنازحين، فعندئذ سيعود النازحون طواعية إلى بلدانهم.