يقول عالم الاجتماع ومؤسسه ابن خلدون: إن الإِنسان اجتماعي بطبعه، وهذا العالِم العربي أول من درس الظواهر الاجتماعية التي تخص المجتمع من موروث شعبي (عادات وتقاليد - تاريخ - اقتصاد - إسكان... الخ) وأصبحت هناك ظواهر اجتماعية لا بُدَّ من دراستها من جميع الجوانب ووضع التشخيص والعلاج اللازم لهذه الظواهر إذا أصبحت ظاهرة مثل (الطلاق - غلاء المهور - المخدرات - التفحيط - العنوسة - البطالة - التسيب - الهروب المدرسي - القتل - الإرهاب - التطرف).
وكما قال ابن خلدون إن الإِنسان اجتماعي بطبعه أو مدنياً كذلك، وعندما تحضرت المجتمعات ونزحت من الأرياف والقرى المجاورة للمدن خصوصاً الرئيسية منها ودبت التنمية في هذه المدن في النواحي التعليمية - الدينية - الصحية - الاجتماعية والثقافية... الخ، عندها اختلط أفراد المجتمع مع بعضه البعض بعادات وتقاليد وموروث شعبي، قد لا يكون المجتمع في هذه الحالة متجانسا، ففتحت المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية كتعليم عام - ثم تلا ذلك الجامعات، وهنا المجتمع المدرسي ينتقل له الطالب من أسرته وهي حجر الزاوية للتنشئة واحتضان أفرادها، وهذا الوسط المدرسي قد يكون متقاربا لكن كل طالب أو فرد يحضر ويأتي إلى هذا المجتمع المدرسي بتنشئة وتربية قد تختلف عن الآخرين، وهكذا يحتك الطلاب ببعضهم البعض ويكونون صدقات وعلاقات مع بعض أقرانهم ويتعلمون ما يتيسر لهم من مناهج في المواد الدينية والرياضيات والاجتماعيات واللغة العربية والإنجليزي... الخ.
عندها تسير القافلة في هذا المجتمع المدرسي ويتعلم الطلاب ويتربون على خبرات ومواقف اجتماعية لم يكونوا يعرفونها من قبل، فإذا غلبت التربية في السلوك قبل التعليم من حيث السلوك الصحيح والتنشئة الاجتماعية المدرسية السليمة بحيث يعرف الخطأ من الصواب والاحترام والتقدير لزملائه معلميه ويكن لهم الحب والتسامح وإلا فالعكس صحيح.
لكن مهما كان فلابد من شذوذ ونكوص في السلوك من بعض الطلاب تجاه زملائهم أو بعض معلميهم، فتحصل مواقف سلبية من هذا النكوص والشذوذ يتمثل في المشاحنات والسلوك العدواني من سب وشتم أو اعتداء بالأيدي، فإذا حصلت هذه المواقف فلابد من دراستها من جميع الجوانب - الشخصية - الأسرية - الجيرة - الحي... الخ؛ من أجل المساعدة في تشخيص المشكلة وعلاجها قبل أن تستفحل وتتطور ومن ثم يصعب علاجها، ولا يقوم بهذه المهمة إلا (الأخصائي الاجتماعي المدرسي) المتخصص في علوم الخدمة الاجتماعية من (علم نفس - علم اجتماع وإحصاء - خدمة فرد - خدمة جماعة - خدمة مجتمع) وغيره لا يقوم بهذه المهنة وهذه المهمة (كالمرشد الاجتماعي) غير المتخصص في هذه العلوم - مع احترامي له.
وعندما يقوم الأخصائي بعلاج هذه المواقف والمشاكل يحد من تطورها وعنفها وتطرفها، ويعالج الحصانة الذاتية لمنسوبي المدارس من الطلاب برفعها من أجل مواجهة المشاكل والمواقف التي يتعرض لها طلاب المدارس بحكمة وترو وعدم تطرف أو غلو في الدين، أما إذا أُهملت هذه المواقف من عنف وتطرف وعدم تنمية الأمن الفكري فسوف تنمو وتكبر (إن النار من مستصغر الشرر)، فكم سمعنا عن اعتداء بعض الطلاب على بعضهم البعض بالطعن والقتل بإطلاق نار أو سلاح أبيض، كذلك قرأنا وسمعنا عن اعتداء وقتل من طلاب تجاه بعض معلميهم ومدرسيهم، أو تخريب أو تكسير بعض محتويات المدرسة وقد تعدى ذلك إلى تخريب وتكسير أيضاً مركبات بعض المعلمين أو الإداريين، فأنا هنا أشدد على معالجة المواقف التي تحصل داخل الوسط المدرسي، المواقف السلبية والمضادة للسلوك الصحيح سواء من طالب لطالب أو من طالب تجاه معلمه أو مدرسه أو العكس.
وإذا خرج هذا الطالب أو ذاك بالانقطاع عن المدرسة إما بفصله أو لأي سبب كان ولم يعالج الموقف الذي حصل منه بأسلوب تربوي خصوصاً العنف الذي حصل منه، فإنه في أغلب الأحوال سوف تنمو عنده الكراهية والحقد للمجتمع المدرسي بما فيه، وقد يمتد هذا إلى أفراد أسرته ومجتمعه بالانتقام بالإسقاط بعد تغذيته بالأفكار المتطرفة والإرهابية من بعض الجماعات، لأنه لجأ إليهم للانتقام من المجتمع وأفراده حتى ولو كانوا أفراد أسرته، لأن هذه الجماعات وقد تكون منهم (داعش) يزينون له مواقف الاعتداء والقتل وأنه سوف يثاب على ذلك خاصة أقرب المقربين له كما حصل من (التوأمين اللذين قتلا والدتهما وحاولا قتل أبيهما وأخيهما في حي الحمراء، وقبل هذا حصل قتل من بعض الأشخاص لوالديهما أو أحدهما أو قتل أخ أو خال أو عم أو ابن عم، كل هذا حصل خلال عام.
لذلك أهيب وأناشد وزارة التربية والتعليم بأن تفعل (الخدمة الاجتماعية المدرسية) في المدارس خصوصاً في المرحلة المتوسطة والثانوية؛ حماية بعد الله من التطرف في الأفكار والإرهاب والعدوانية وحصانة وتنمية الأمن الفكري؛ لأن هذه الأفكار وهذا السلوك من العنف والقتل يمكن تداركه في أوساط المدارس المتوسطة والثانوية لأن هذه الفترة هي فترة المراهقة وعنفوان الشباب والله من وراء القصد.