عبد الله باخشوين
علاقتي بالسينما العالمية قديمة جداً.. تعود لسن الثانية عشرة تقريباً وإن كان أول فيلم شاهدته مثل الصدمة لجهازي العصبي.. ففي إحدى المطاردات عمد المخرج لتصوير سيارة ((جيب)) مسرعة تتجه نحو المشاهد مباشرة وبملء الشاشة تقريباً.. فكانت ردة فعلي الاولى أن احتميت منها بالاختباء تحت المقعد الذي كنت أجلس عليه في الصف الأول.. ثم أدركت أن ما أراه يدور على الشاشة وليس على أرض الواقع.
ومنذ ذلك الحين أدركت أن تلك تقنية فنية .. تكررت في أفلام ((جيمس بوند)) و ((كلينت ستود)) وأنت تراهما في دعاية الفيلم يصوبان مسدساتهما نحوك مباشرة .. وأزعم أنني تعلمت كل ما اعرفه من تقنيات الكتابة ومهاراتها من مشاهدة الافلام الاجنبية وقراءة ((سلسلة المسرح العالمي)).. ولم أقرأ شيئاً من القصة والرواية إلا بعد أن كتبت اكثر من عشر قصص.. لأنني كنت مولعاً بالشعر الحديث وكنت أظن أني شاعر.. قبل أن ادرك ان حبي للتفاصيل التي تمتلئ بها حكايات ((أمي)) التي ترويها لي.. واقعية ومثيرة ومشوقة بما فيها من احداث لا تتناسب مع عالم الشعر الذي أريد كتابة مثله.. وبعد كتابة القصة وبعدها المسرح.. وقراءتي لـ((كتب القصص و الرواية)) عرفت أن ما تعلمته من مشاهدة الافلام جعلني اكتب ما يشبه كثيراً مما قرأته في الادب القصصي.. عندما انتقلت من مرحلة البحث عن القصص والروايات التي تحولت الى أفلام وبدأت اقرؤها.. ولأننا من الجيل المحظوظ فقد كانت معظم الافلام التي نراها ((تتسرب)) إلينا وتعرض متزامنة مع وقت عرضها في صالات السينما في لبنان .. وعندما ظهر فيلم ((العراب)) لفرنسيس كوبولا سبقته دعاية واهتمام واسع وصلنا عبر الصحافة اللبنانية قبل عرض الفيلم فى جدة.
أذكر أنني في نحو عام 72-73 ذهبت لمشاهدة الفيلم في أحد ((الاحواش)) مع الصديق عبدالله نعمان الحاج .. وكان قد بدأ قبلها بقليل .. المهم أن مارلون براندو.. كان يجلس وفي يده قطه الشهير يودي دور ((دون كورليوني)) ويستقبل المهنئين فى حفل زفاف ابنته .. ويتحدث بتلك الطريقة التي برع في ابتكارها .. وهي طريقة يقول عنها ((كوبولا)):
- عندما عرضت عليه فكرة الدور قام وأخذ يحشو خديه بورق مناديل ((كلينكس)) وجلس وأخذ يتحدث بتلك الطريقة .. فنهضت بفرح وقلت ((الدور لك)).
لكني أنا و النعمان شعرنا بالملل سريعاً . وهاه .. نمشي .. قال .. نمشي و خرجنا من الصالة دون أن نرى سوى ما يقرب الخمس دقائق طبعاً بعد ذلك شاهدت الفيلم ما يقرب خمسين مرة .. حتى أنني حفظت وأحفظ معظم حواراته .. ونقلت عدوى حب هذا الفيلم لأبنائي ووصل الامر مع ابني ((حكم)) الى تعليق ((بوسترات)) لمارلون براندو .. وال بتشنينو في لقطات من الفيلم في غرفة نومه.. اما فاروق فقد استغرق في البحث في أسرار ((المافيا)) في المرحلة الزمنية التي يتحدث عنها الفيلم .. ومراحل إنشائها لـ((لاس فيغاس)) ويعرف الاسماء و التواريخ .. وكل منهما مسحور بشخصية ((مايكل دون كوليوني)) التي شكلت علاقة فارقة في تاريخ آل بتشينو السينمائي.
يأتي هذا الحديث أو الذكريات .. بعد القاء نظرة سريعة على الوضع الحالي ..فإذا كانت المافيا في أنحاء مختلفة من العالم مازالت تعمل في ((تخصصاتها)) فأنت في العالم العربي ترى من لديهم طموح في أن يكونوا رجال مافيا أقوياء وصلت احلامهم لأن يصبحو حكاماً ورؤساء دول .. لأنهم وجدوا أن هذه هي الطريقة المثلى لاستثمار ((المال المنهوب)) الذي تكدس لديهم.. ووجدوا أن من الأنسب لأحلامهم ولطموحاتهم أن تتحقق من خلال وجودهم على رأس السلطة في البلاد التي نهبوا أموالها .. وما علي عبدالله صالح الا مثال صغير نسوقه للتذكير فقط.