لا شك أن الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية في بعض دول الجوار صنعت أو تمخض من رحمها بعض الفرق المتطرفة وعلى رأسها ما يعرف بتنظيم داعش في قالبها الفكري المتطرف، هذا الفكر التكفيري الإجرامي الذي يرفض لغة الحوارات وصالون المناقشات كفكر شاذ ومنهج منحرف عن قواعد الضبط الأخلاقي والديني والاجتماعي، يتحصن باسم الدين الإسلامي الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقر تلك الممارسات الوحشية والجرائم اللا إنسانية والأعمال المناهضة للشرع القويم.. خاصة وأن منهجه الضلالي يقوم على قتل الأبرياء وسفك الدماء الإنسانية البريئة إرضاء لشهواتهم ورغباتهم وغرائزهم بل حتى وصل بهم التلذذ بالقتل والدماء.. مما جعلهم يعيثون بالأرض فساداً وقد أدى ذلك إلى تشويه قيم الإسلام ومبادئه السمحة.. ولعل الجريمة البشعة التي هزت المجتمع السعودي عندما أقدما التوأم بقتل والدتهما وحاولا قتل أبيهما وشقيقهما في حي الحمراء بشرق مدينة الرياض.. في تطور وتدرج فكري دامٍ وإرهابي بدأ من قتل الأجانب فرجال الأمن ثم قتل المصلين فالأقارب وانتهاء بالوالدين! فهو يمثل سلوكاً دموياً غريباً مُستنكراً، وجريمة وحشية بشعة تستنكرها وترفضها جميع المجتمعات، وتخالف شرائع الأديان السماوية، يقودها التنظيم الإرهابي داعش بحق المبادئ الإنسانية وقيم الدين الحقيقية عبر جريمة منظمة هدفها الحقيقي إلصاق الإرهاب بالإسلام وتشويهه، ولا شك أن هذه الجماعة الإرهابية التابعة للفكر الهدام انتقلت عبر مراحل متدرجة وفي تطور شيطاني.
من المؤكد أن الإرهاب والتطرف والعنف الذي يظهر في تنظيمات تكفيرية، لم يأت من فراغ بل له أسبابه ودوافعه ودواعيه فقد تكون أسبابا فكرية أو سياسية، ومعروف إن آفة الإرهاب عملية معقدة وظاهرة مركبة تستهدف عقول وأدمغة الشباب وجرهم إلى مستنقعها العفن والانخراط في تنظيماتها الهدامة..!! ولذلك ينبغي دراسة هذه التنظيمات الإرهابية دراسة اجتماعية ونفسية وتربوية شاملة عبر الصروح الأكاديمية ومراكز الأبحاث العلمية للخروج بحلول علمية ناجعة تضبط توازن هذه الظاهرة المرضية، والبعد كل البعد عن اتجاهات العاطفة والتحيز والاصطياد في الماء العكر وتوجيه الاتهامات، أو اختزال الدوافع والأسباب حسب الأهواء في دافع واحد، ويستلزم أيضاً إقامة الندوات التنويرية، والملتقيات الثقافية، وورش العمل الفكرية التي تساهم في رفع سقف الوعي للأفراد، والتخفيف من جلد الذات والشك والريبة في مؤسساتنا الاجتماعية بدءاً من الأسرة حتى لا تتحقق أهداف تلك التنظيمات الإرهابية في زرع الخوف ونشره في مجتمعنا، كذلك ينبغي تفعيل دور (المؤسسات الدينية) من خلال المنابر الإعلامية أو خُطب الجمعة، خصوصاً وأن هناك دراسة متخصصة أظهرت معطياتها العلمية أن تأثير خُطبة الجمعة في إيصال المضمون والتوجيه والتوعية أكثر من تأثير الإذاعة والتلفاز، والعمل على نشر مفهوم الوسطية كمنهج محمدي في الأمور والأعمال والممارسات القائمة على الوعي والفكر المعتدل هو سمة المجتمع المتحضر، لاسيما وأن الوسطية في البناء الاجتماعي الإسلامي لاتعني إلغاء التعددية في النشاط الاجتماعي، بل تعني وزن الأشياء بالميزان الصحيح في مجموعها وحتى في السلوكيات الفردية لا تغيب الوسطـــية التي تمنع المبالغة في كل الأمور، وهذا المنهج القويم -من منظور علم الاجتماع الإسلامي- يقوم على مبادئ الاعتدال والانسجام والسماحة والرحمة والتروي والعدل والحكمة،
ومجافاة التطرف والراديكالية والغلو والإقصائية والأفكار الإرهابية التي تخالف قواعد الضبط الاجتماعي والأخلاقي والديني، وهي أفضل طريق لإرساء دعائم الاستقرار والسلم الاجتماعي، وضبط التوازن الأخلاقي في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية.
إن المنهج المحمدي (المتزن) كمفهوم وظيفي في التفكير والقيم والسلوك الإنساني في قالبه الحضاري، يبرز أو يتجلى دوره في حياة الفرد والأسرة أنه الطريق المفضي إلى الكمال الإنساني والرقي البشري وإلى أيضاً بناء المجتمع «أيديولوجيا وتربوياً ودينياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً» من دون إفراط أو تفريط وفق معادلة الوسطية التي تشكل صمام أمان للمجتمع ضد أمراض التطرف والتكفير وهجرة المجتمع والغلو في الدين أو التعصب في الأفكار والسلوك الإرهابي البغيض والممارسات المناهضة لقواعد الضبط الاجتماعي والشرعي والقيمي.