اللغة العربية من أهم مقومات الأمة وقد جمعت العرب ووحدتهم، ونظم الشعراء بها قصائدهم وخطب المفوهون بها في محافلهم، يتجلى ذلك فيما نراه من شعر وخطب وأمثال وحكم وتراث، ولما نزل القرآن الكريم على محمد -صلى الله عليه وسلم- كان له أثر عظيم في النفوس والعقول والقلوب، حيث قال الوليد بن المغيرة: «والله إن لقوله لحلاوة وإن أصله لغدق وإن فرعه لجناة» وكان الحديث الشريف مثلاً آخر على وحدة اللغة وسلامتها وقال الرسول عليه السلام (أنا أفصح العرب بيد أني من قريش) وسار الشعراء والخطباء والمتحدثون على هدي القرآن الكريم والحديث الشريف ومأثور كلام العرب.
لقد كانت اللغة العربية من أسباب وحدة العرب والمسلمين، ودفعهم حبهم لها إلى العناية بها وجمع ألفاظها ووضع المعاجم وتأليف كتب اللغة والنحو لتظل صافية سليمة لا تشوبها عجمة، ولم تزل العرب في الجاهلية والإسلام تحرص على سلامة اللغة حتى فتحت المدائن واختلط العرب بالعجم، ويذكر الجاحظ أن اللحن أصبح ظاهرة في القرن الثاني الهجري وما بعده، وحاول الشعوبيون إفساد اللغة وإشاعة الألفاظ الأعجمية والعامية والتقليل من شأن اللغة العربية وقد تصدى الغير من أبناء العربية لذلك حيث عملوا على جمع اللغة وتدوينها ووضع قواعد النحو والصرف وعلم البلاغة والاهتمام بالأساليب الفصيحة ووضع الكتب في ذلك لتصحيح الأساليب المنحرفة وكل ذلك من وسائل الحفاظ على سلامة اللغة العربية، ويعد كتاب الكسائي 189 هـ ما تلحن فيه العوام من أقدم الكتب التي ألفت لتنقية اللغة في القرن الثاني للهجرة وحرص الكثيرون على التأليف في هذا الميدان حيث وضع ابن السكيت 276هـ كتاب أدب الكاتب وأخرج ثعلب 291هـ كتاب «الفصيح» وفي القرن الرابع الهجري عندما زاد اللحن انبرى اللغويون لتصحيح اللحن فألف الحريري (516هـ) كتاب درة الغواص في أوهام الخواص».
وكذلك ألف الجواليقي 540هـ كتاب تكملة إصلاح ما يغلط فيه العامة «وألف ابن الجوزي (597هـ) كتاب تقويم اللسان وكذلك الزبيدي (397هـ) كتاب لحن العامة وغيرهم كثير ممن عملوا على سلامة اللغة وتنقيحها، وكذلك أصحاب المعاجم يستشيرون إلى الصحيح من اللغة وينبهون على الدخيل وبذلك أسهم هؤلاء جميعاً في الحفاظ على أصالة اللغة العربية وسلامتها وتنقيتها.
إن الحفاظ على سلامة اللغة واجب ديني ووطني ويجب توعية الأجيال بأهميتها وأن تكون لغة التعليم والتأليف والإعلام لتستعيد مكانتها وتأخذ دورها في توحيد الأمة كما كانت في العهود الزاهرة.
إن اللغة العربية تجمع أبناءها على الفكر الواحد والأمل الواحد مهما طوحت بنا جنبات الأرض. إن لغتنا هي الأمانة الغالية في أعناقنا فلا يجب أن نفرط في حقها أو نتهاون في جليل شأنها نحن جميعاً أمناء على لغتنا لغة القرآن حراص على كيانها وعلى نقائها ورفع شأنها في هذا الخضم العارم من لغات العالم في هذه الأرض فلنحرص على انتهاج أقوم السبل في خدمة لغتنا الخالدة ورفع شأن الفصحى.